مغربية بريس
محمد المدني: مكتب اليوسفية
ظهرت مؤخرا في موقع التواصل الاجتماعي فايس بوك مجموعة تضم عددا كبيرا من المواطنين رفعت شعار محاربة ظاهرة ما أصبح يسمى ” بمول الجيلي الأصفر ” ، وهي الظاهرة التي تتمثل في انتشار أشخاص يرتدون سترات صفراء (جيلي) في كل شوارع وأزقة المدن ، يزعمون أنهم يحرسون السيارات ، ويطلبون مقابلا ماديا عن ذلك ، تتفاوت قيمته من مكان لآخر.
وحيث إن هذه الظاهرة غطت مختلف الأماكن فالمواطن أصبح أمام عبء مادي إضافي يكلفه مبالغ مادية يومية ، حيث إنه أصبح ملزما بالأداء في كل مرة يتوقف فيها لقضاء أغراضه ومآربه. ويعاني المواطن ليس فقط من الجانب المادي ولكن أيضا من الجانب المعنوي ، حيث يتعرض في كثير من الأحيان لمعاملة سيئة من طرف هؤلاء ، خاصة عندما يُنازع في المبلغ الذي يطلب منه ، أو يرفض أداؤه ، فقد يتعرض للتهديد أو الاعتداء بالضرب والجرح ، وفي أحسن الأحوال قد يواجه وابلا من السب والقذف.
ولعل تضافر العامل المادي والمعنوي ، هو الذي دفع بهؤلاء المواطنين الذي تحملوا في صمت ولسنوات عديدة بلطجة وابتزاز أصحاب السترات الصفراء ، إلى الخروج اليوم للقول بصوت واحد ” باراك راكم عيقتوا وقهرتونا ” ، مطالبين من السلطات العمومية التدخل كل فيما يخصه لمحاربة هذه الظاهرة وتوفير الأمن للمواطن
هذه الحملة الفايسبوكية والتي ترجمت على أرض الواقع في شكل مقاطعة أصحاب الجيليات الصفراء والامتناع عن أداء أي مبلغ مالي لهم ، أثارت ردود فعل كبيرة ومتباينة بين مؤيد لها ، ومعارض ، بل إنها أثارت نقاشات قانونية حول مدى أحقية هؤلاء في استخلاص مبالغ مالية من المواطنين ، وكذا مدى أحقيتهم في الحصول على رخص لاستغلال الملك العام ؟ بل إن الأمر تجاوز ذلك ليطرح التساؤل حول مدى أحقية الجماعات الترابية في كراء الشوارع وتفويتها للغير لاستغلالها مواقف للسيارات ؟
للجواب عن هذه الأسئلة وغيرها ، ولتنوير الرأي العام حول مختلف الجوانب القانونية لهذه الظاهرة ، استضفنا الدكتور سعيد الوردي ، وهو رجل قانون ، حاصل على الدكتوراه في الحقوق ، وأستاذ جامعي في شعبة القانون ، كما أنه راكم تجربة عملية كبيرة في تدبير الشأن الترابي على المستوى المحلي باعتباره إطار سابق بوزارة الداخلية.
إذن نرحب بالاستاذ سعيد الوردي ، ونشكره على تلبية هذه الدعوة ، ونبدأ بالتساؤل عما إذا هناك قانون ينظم كراء مواقف السيارات بالمغرب ؟ وفي حالة تواجده ما هي المؤسسات المخول لها تدبير هذه المواقف وما هي المعايير المعتمدة في وضع وتحديد تسعيرة الوقوف ؟
نعم هناك قوانين تنظم عملية كراء مواقف السيارات التابعة للجماعات الترابية ، وهذا حق للجماعة لا يمكن أن ينكره عليها أحد ، فالمادة 83 من القانون رقم 113-14 تنص على أنه ” تقوم الجماعة بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية اللازمة لتقديم خدمات القرب في مجموعة من الميادين منها ” السير والجولان وتشوير الطرق العمومية ووقوف العربات …” ، وهذا الاختصاص المنوط بالجماعة تؤكده أيضا المادة 100 من نفس القانون وتجعله من ضمن المجالات التي يمارس فيها رئيس الجماعة مهامه المرتبطة بالشرطة الإدارية.
أما طريقة تدبير هذه المرافق فيجب أن تتم حسب المادة المذكورة عبر سبل التحديث المتاحة للجماعة ولا سيما عن طريق التدبير المفوض أو إحداث شركات التنمية المحلية أو التعاقد مع القطاع الخاص. وتلجأ الجماعة أثناء كراء مواقف السيارات إلى مسطرة طلب العروض التي تتم وفقا لمقتضيات المرسوم 2.12.349 الخاص بتحديد شروط وأشكال صفقات الدولة ، كما يمكن اللجوء أيضا إلى السمسرة العمومية من أجل كراء هذه المواقف. وسواء تعلق الأمر بطلبات العروض أو السمسرة العمومية فإن ذلك يتم عبر كناش للتحملات يتضمن جميع الحقوق والواجبات التي سيتحملها مسير مواقف السيارات بما فيها التسعيرة التي يمكنه أن يستخلصها من أصحاب السيارات.
وبما أن هذا الحوار يأتي كما ذكرت في البداية على خلفية الحملة التي يقوم بها مجموعة من المواطنين ضد ابتزاز أصحاب السترات الصفراء المنتشرين في كل مكان ، فإنه لا بد من توضيح أن مواقف السيارات التي تخضع للمسطرة المذكورة يجب أن تكون متوفرة على مواصفات موقف السيارات وتحمل لوحة أو علامة تدل على ذلك ، تتضمن أيضا التسعيرة المطبقة. فعندما تكون هذه الأمور متوفرة فهنا نكون أمام تعاقد لأن صاحب السيارة يكون قد أُخبر بواسطة لوحة التشوير بأن الأمر يتعلق بموقف للسيارات مؤدى عنه ، وكذلك أخبر بثمن التسعيرة ، فإذا اختار الوقوف يكون قد قبل بالتعاقد مع من عهد له بتسيير هذا الموقف وعليه أن يلتزم بما هو معلن عنه بخصوص الأداء. أما إذا تمت مخالفة التسعيرة والمطالبة بمبالغ مختلفة عما هو مضمن في اللافتة فهنا نكون أمام مخالفة مرتكبة من طرف المسير يجب التبليغ عنها وعدم التسامح في شأنها.
– نعم أتفق معك عندما تكون الأمور واضحة هكذا ، لكن أحيانا نجد في العديد من المواقف إشارات تنبه إلى أن المكان بالمجان ورغم ذلك يتواجد أشخاص يستخلصون مبالغ مالية من أصحاب السيارات ، ما هو موقف المشرع من مثل هذا السلوك ؟
نعم هناك تجاوزات كثيرة في هذا الإطار ، فأحيانا تكون علامات التشوير تدل على أنه هناك موقف للسيارات بالمجان ، لكن رغم ذلك تجد أصحاب السترة الصفراء ، يستغلون هذا الموقف ويطالبون المواطن بالأداء. كما أن هذه الظاهرة لم تعد تقتصر على مواقف السيارات بمفهومها الحقيقي بل إنها قد انتشرت وأصبحت تغطي جميع الشوارع والأزقة بدون استثناء ، في خرق سافر للقانون ، وأصبحت عينة من الأشخاص تتقاضى أمولا طائلة دون بذل أي مجهود أو القيام بأي عمل.
القانون هنا واضح ، لا يحق لأي شخص أن يستخلص أي مبلغ مالي من أي مواطن مقابل وقوفه في الشارع العام أو في موقف مجاني للسيارات ، أو في غير ذلك من الساحات والأماكن العمومية. طالما أنه ليست هناك علامة أو لوحة تشير إلى وجود موقف للسيارات ، فإنه لا يحق لأي كان أن يستخلص مقابلا عن التوقف بهذا المكان.
وهنا يجب على الجماعات الترابية أن تتعامل بشفافية مع المواطنين وأن تقوم بتعميم اللوحات الإشهارية الخاصة بمواقف السيارات مع تضمينها عبارة المجانية لقطع الطريق أمام كل من يرغب في ابتزاز المواطن بدون وجه حق ، أو إعلان التسعيرة المعمول بها بالنسبة للمواقف المؤدى عنها. أما بالنسبة للشوارع وغيرها من الأماكن العمومية فإننا لسنا في حاجة إلى مثل هذا اللوحات ، لأنه من حق المواطن أن يتوقف بسيارته في كل مكان عمومي يسمح به القانون دون أن يؤدي مقابلا عن ذلك.
– نعم أستاذ نشكرك على هذا التوضيح ، فالأصل إذن أن الوقوف بالسيارة في الأماكن والساحات العمومية يكون مجانا ، ما لم تكن هناك لافتة أو لوحة معدة من طرف الجماعة الترابية تدل على أن الوقوف مؤدى عنه. وفي غير ذلك من الحالات يجب الامتناع عن أداء أي مبلغ مقابل الوقوف. لكن هذا الامتناع يجعل المواطن في مواجهة مع أصحاب الجيليات الصفراء ، ويعرضه لتصرفات بعضهم التي تخرج في كثير من الأحيان عن أدبيات المعاملة وتصل إلى حد التعنيف اللفظي والجسدي ، في نظركم ما هو رد الفعل الواجب اتخاذه قانونيا ؟
نعم من الطبيعي أن يتعرض المواطن الذي يرفض الأداء في الحالات التي لا تستوجب ذلك قانونا لردود فعل متفاوتة قد تصل حد ارتكاب أفعال يعتبرها القانون جرائم في حقه. وهنا يجب أن يكون الرد وفقا للقانون ، فكل شخص كان ضحية لفعل جرمي عليه أن يسلك المساطر القانونية للدفاع عن نفسه ، وذلك عن طريق تقديم شكاية أمام السيد وكيل الملك ، أو الاتصال بالشرطة من أجل المعاينة واتخاذ ما يلزم من إجراءات وتدابير قانونية.
– هل لك أستاذ أن تحدثنا عن بعض الجرائم التي يمكن أن ترتكب في حق المواطن في مثل هذه الحالات ؟
إن رفض أداء المبلغ الذي يطلبه صاحب السترة الصفراء قد يؤدي في غالب الأحيان إلى ارتكاب أفعال تشكل جرائم في نظر القانون ، وهذه الأفعال لا تخرج عن ارتكاب جرائم التهديد ، السب والقذف ، الضرب والجرح ، النصب والاحتيال ، التزوير ، عرقلة السير بالطرق العمومية ، إلحاق خسائر بملك الغير.
ففعل الامتناع من طرف المواطن عن الأداء يؤدي إلى رد فعل قد يترجم في التهديد بارتكاب جريمة ضد هذا المواطن ، أو تعريضه للسب والقذف ، وقد يتطور الأمر إلى حد الاعتداء عليه بالضرب والجرح ، أو الاعتداء على سيارته وإلحاق خسائر مادية بها، أو منعه من المرور وإحداث عرقلة للسير وسط الطريق العام ، وأحيانا قد يدعي المعني بالأمر بأنه يتوفر على رخصة وأن المكان مؤدى عنه وهنا قد تقع أفعاله إذا كانت مخالفة للواقع تحت طائلة جريمة النصب ، أما إذا قام بتزوير رخصة لتوهيم المواطنين والسلطات فهنا قد تعتبر أفعاله نصب وتزوير … إذن هناك العديد من الجرائم التي يمكن أن يتابع بها صاحب السترة الصفراء الذي يفرض على المواطن أن يؤدي مبالغ مالية مقابل توقف سيارته بالملك العمومي دون توفره على سند لذلك.
– أشكرك أستاذ على هذه التوضيحات ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح في هذه الحالة يتعلق بإشكالية الإثبات ، كيف سيثبت المواطن أنه قد تعرض لجريمة من الجرائم المذكورة ؟ هل يمكنه مثلا أن يضع كاميرا خفية بالسيارة من أجل توثيق عملية الابتزاز وتقديمها كدليل رغم عدم وجود ترخيص مسبق ؟
تبقى السيارة مكان خاص لصاحبه يمكنه أن يضع فيه أي شيء لم يمنعه القانون ، لأن الأصل في الأشياء الإباحة ، ولا يوجد نص خاص يمنع تركيب الكاميرا داخل السيارة ، لذلك فالأشخاص لهم الحق في وضع كاميرات داخل سياراتهم لتوثيق ما قد يتعرضون له من أفعال تعد جرائم في نظر القانون ، ويمكنهم تقديمها كوسيلة إثبات أمام القضاء ، لأن الفصل 286 من قانون المسطرة الجنائية ينص على أنه ” يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات ما عدا في الأحوال التي يقضي القانون فيها بخلاف ذلك “. إذن فجوابا عن سؤالك أقول أنه يمكن تقديم الفيديوهات والصور الملتقطة عبر الكاميرات من داخل السيارة كوسيلة إثبات ، وهذا أمر لا خلاف فيه ، فأغلب الجرائم يتم كشفها عبر اللجوء إلى الكاميرات المثبتة بواجهات المحلات التجارية والمقاهي وغيرها.
– بعض المصادر أكدت أن هنالك جمعيات قامت باحتضان هذه الفئة من أجل حماية حقوقهم واستغلال هذا الإطار الجمعوي من أجل الدفاع عن مصالحهم ، هل تكتل هؤلاء الأشخاص في إطار جمعوي يخول لهم استغلال الملك العمومي؟
هناك سوء فهم لمفهوم الجمعية والغاية منها ، والنصوص القانونية المؤطرة لها، فالجمعية طبقا للمادة 1 من ظهير 15 نونبر 1958 هي ” اتفاق لتحقيق تعاون مستمر بين شخصين أو عدة أشخاص لاستخدام معلوماتهم أو نشاطهم لغاية غير توزيع الأرباح فيما بينهم ” ، وطبقا لهذه المادة فمفهوم الجمعية لا يستقيم مع جوهر العمل الذي تقوم به هذه الفئة ، وهو الحصول على أرباح صافية من جراء تقديم عمل لم يطلبه أحد وهو حراسة السيارات بالشارع العام، فالجمعية لا يكون هدفها تحقيق الربح. أما مسألة الدفاع عن الحقوق فما هي الحقوق التي سيدافع عنها هؤلاء وضد من ؟ من أعطاهم الحق ومن سلبه منهم ؟ ليدافعوا من أجل انتزاعه ؟
الشخص الذي يقوم بارتداء سترة صفراء ويقف في الشارع العام من أجل استخلاص أموال من أصحاب السيارات خارج الضوابط المذكورة أعلاه ، لا حق له في ذلك ، سواء كان فردا أو منخرطا في جمعية أو غيرها ، فاستغلال الملك العمومي له ضوابطه وأحكامه ولا يمكن لأي أحد أن يتخذ منه مصدرا للرزق. لذلك فالادعاء بالانتماء لجمعية معينة لا يمكنه أن يعطي الشرعية لأي كان باستغلال الملك العمومي واستخلاص واجبات وقوف السيارات من المواطنين.
– نشكرك أستاذ على كل هذه التوضيحات ، ونطلب منك قبل اختتام هذا اللقاء أن تعطينا رأيك حول ما يجب فعله للقضاء على هذه الظاهرة ، وهل تؤيد مطالب هذه المجموعة أم ترفضها؟
أشكرك على هذا السؤال بالنسبة لما ينبغي فعله فالجماعات الترابية والسلطات العمومية بشكل عام مدعوة للانخراط في هذه الحملة عن طريق الاستجابة للمطالب المشروعة للمواطنين ، وأول شيء يجب التعجيل به هو قيام الجماعات الترابية بتعميم لوحات التشوير الطرقي الخاصة بمواقف السيارات ، وتعميم لوحات التعريفة الواجب أداؤها في المواقف المهيأة لهذا الغرض ، ولوحات المجانية عبر مختلف الشوارع ، الأماكن والساحات العمومية المسموح بالوقوف فيها. ثم قيام عناصر الشرطة الإدارية بمراقبة مدى التزام مسيري مواقف السيارات بالتزاماتهم الواردة في دفتر التحملات.
ثم بعد ذلك يأتي دور السلطات العمومية في التصدي لهذه الظاهرة ومنع أي شخص من التواجد بالأماكن المعلن أن الوقوف بها مجانيا ، وتقديم المساعدة اللازمة للمواطنين المتضررين من هذه السلوكات.
أما بالنسبة لموقفي من مطالب هذه المجموعة فلا يمكنني إلا أن أزكيها لأنها مطالب مشروعة ، فمن حق أي مواطن أن يمارس حقه في حرية التنقل دون قيد أو شرط ، ودون أن يتعرض للمضايقات والابتزاز ، وليس من حق أي شخص أن يجعل من الملك العمومي مكانا للاسترزاق ، وأن يفرض نفسه على الغير لتعكير صفوة مزاجه.
كما أؤكد بأن مشكل توقف العربات لا يمكن حله فقط بهذه التوصيات بل يجب على الجماعات الترابية أن تخصص استثمارات ضخمة لإحداث مواقف مؤدى عنها للسيارات بمواصفات عالمية لتخفيف الضغط على الشوارع وأيضا للحصول على مداخيل هامة مقابل تقديم خدمات للمواطن في المستوى المطلوب ، عوض أن تذهب هذه المداخيل لجهات ليس لها الحق في ذلك ودون تقديم أية خدمة للمواطن.
د سعيد الوردي
أستاذ جامعي بكلية الحقوق فاس