مغربية بريس
كزولي المحجوب:
الجزء الأول
السمة الأساسيّة للمحتالين هي قُدرتهم البارعة على استغلال الظروف والأزمات لاصطياد فرائسهم، خاصّةً إن كان النصَّاب يعتمد على الكذب لاستدراج المُحتاجين والراغبين في الكسب السريع دون عناء، وطوّر المحتالون أساليبَ يواكبون بها التحوّلات المجتمعية ويتأقلمون مع الوضعيات والعقليات الجديدة.
والحديث هنا عن شركات التسويق الشبكيّ، الَّتِي تنشط بمدينة القنيطرة ، وهي شركة تدعي أنَّها تعمل في صناعة القرن، وتَعد المنخرطين فيها بأموالٍ طائلةٍ قد تصل إلى الحرية المالية وتغري الأشخاص بأنّ المجال لا يحتاج إلى خبراتٍ سابقةٍ، ولا يعترف بالشهادات والتكوينات بحيث يمكن لأي شخص، إن آمن بقدراته ووثق بنفسه أن ينجح في هَذَا المجال
وتتوفّر هَذِهِ الشركة بمدينة القنيطرة على مكاتبَ في أحياء راقية يوهمون من خلالها الأشخاص الَّذِينَ انطلت عليهم الحيلة بمصداقية الشركة، في ظلّ تغاضي السلطات عن هَذَا النشاط غير المراقب.
وكثَّفت هَذِهِ الشركات مُؤخّرًا من حملاتها بالمدينة، تزامنًا مع الاختناق الاقتصاديّ، الَّذِي خلَّفته جائحة «كورونا» وألقت بعددٍ مُهمٍّ من الشباب إلى البطالة لتستغل شركات التسويق الشبكيّ الفرصة، وتُعدُّ كلٌّ مَن ينخرط ضمن فريق عملهم بإيداع أموالهم مقابل إمكانية الحصول على هامش ربح، شريطة جلب أشخاص آخرين ينخرطون في العملية، وكسبوا ثقة الشباب بلسان فصيح ومظهر راقٍ وسيَّارات فارهةٍ، وهو ما يُسيل لعاب الطامعين لتحقيق الثروات فيجدون أنفسهم عالقين في مصيدة هؤلاء.
و علمت «مغربية بريس » من مصادر مطلعة أن الهيئة الوطنية للمعلومات المالية التابعة لرئاسة الحكومة، أحالت ملفات على النيابة العامة، من أجل فتح تحقيق بشأنها، بعد توصل الهيئة بمعطيات تفيد بوجود شبهة غسل الأموال أو تمويل الإرهاب، ويوجد ضمن المتورطين رجال أعمال يملكون شركات وهمية وحسابات بنكية داخل المغرب وخارجه، تستعمل للقيام بتحويلات مالية مشبوهة.
ورصدت الهيئة وجود أنشطة مشبوهة تقوم بها شركات متخصصة في التسويق الهرمي، تتجلى في تبييض أموال مجهولة المصدر، حيث تقوم بمعاملات مالية كبيرة عن طريق زبناء وهميين، من أجل شرعنة الأموال المتحصل عليها بطرق غير مشروعة، وتلقت الهيئة معلومات عن تورط أشخاص في القيام بعمليات مالية مشبوهة، باستخدام شبكة من شركات التسويق الهرمي في المغرب وفي بلد أجنبي، وتستخدم هذه الشركات في الواجهة للتغطية على أنشطتها الحقيقية، وتتم إدارتها بأسماء مستعارة وتعتمد على المبيعات الإجبارية، عن طريق إصدار أوامر اقتطاع مزيفة لتحقيق رقم معاملات وهمي.
وتعرض آلاف الضحايا للنصب والاحتيال من طرف شركة للتسويق الهرمي يوجد مقرها بمدينة القنيطرة، ورغم قرار السلطات بإغلاق مقرات الشركة، ما زال مديرها يمارس أنشطته مختبأ عن أنظار رجال الامن ، رغم أنه مبحوث عنه بموجب قرار صادر عن قاضي التحقيق، الذي أمر بوضعه رهن الاعتقال الاحتياطي، واضطر مئات الضحايا إلى تقديم شكايات للنيابة العامة، بعدما تعرضوا للنصب والاحتيال في مبالغ مالية كبيرة، كما تعرض ضحايا آخرون للنصب والاحتيال من طرف صاحب شركة للتسويق الهرمي بمدينة الدار البيضاء.
وكشفت تقارير صادرة عن الهيئة، تورط شركات متخصصة في البيع الهرمي ومراكز للاتصال في أنشطة مشبوهة لتهريب وتبييض الأموال، وحسب الوحدة، فقد تم ضبط أشخاص يستعملون شبكة من شركات مراكز الاتصال في المغرب والخارج لارتكاب عمليات احتيال، من خلال تزوير أوامر الاقتطاع المباشر والبيع الإجباري، حيث يتم تسليم البضائع إلى الضحايا دون موافقتهم مع إلزامهم بدفع ثمنها، وأفاد التقرير بأن الأشخاص هم شركاء في عدة شركات ويتوفرون على حسابات بنكية، حيث تلقت شركة مكلفة بتسيير مركز للاتصال تحويلات مالية من الخارج بمبالغ كبيرة، تلتها سحوبات نقدية، وأوامر بالدفع لفائدة أحد الأشخاص المتورطين، مما لا يتماشى مع طبيعة نشاط مركز الاتصال الذي يعمل في المغرب.
وتلقت الهيئة معلومات عن تورط أشخاص في عمليات تزوير وخيانة الأمانة وعمليات احتيال، باستخدام شبكة من شركات التسويق عبر الهاتف في المغرب وفي بلد أجنبي، وتستخدم هذه الشركات في الواجهة للتغطية على أنشطتها الحقيقية، وتتم إدارتها بأسماء مستعارة وتعتمد على المبيعات الإجبارية، عن طريق إصدار أوامر اقتطاع مزيفة لتحقيق رقم معاملات وهمي. كما رصدت وحدة معالجة المعلومات المالية، أنشطة مشبوهة لإحدى الشركات المتخصصة في مجال البيع الهرمي عن طريق تسويق منتوج عبر الإنترنت، حيث يقوم أشخاص بجمع الأموال من خلال النشاط غير القانوني للشركة المتخصصة في الإشهار والتطوير المعلوماتي، وفقا لوثائقها الرسمية، كما تلقت الوحدة معلومات حول أنشطة يقوم بها مجموعة من الأفراد، من خلال إصدار تحويلات مالية نقدية لغسل عائدات الاتجار في المخدرات، عن طريق شركات تستعمل لهذه الغاية.
ومن الجرائم التي كشفت عنها تقارير الهيئة، غسل الأموال المتعلقة بقضية الجريمة الإلكترونية والاحتيال الدولي، كما كشف عن استعمال «الدعارة الإلكترونية» لتحويل مبالغ مالية كبيرة، من بينها شبكات متخصصة في تقديم الخدمات الجنسية عبر التطبيقات الهاتفية والمواقع الإلكترونية، يتزعمها أشخاص يتوصلون عبر حساباتهم البنكية بحوالات دولية بمبالغ مالية كبيرة للغاية صادرة عن أطراف مختلفة، وهاته الحوالات تكون متبوعة بعمليات سحب نقدي، وتنشط هذه الشبكات في المواقع وتطبيقات التعارف والمواعدة للبالغين عبر الإنترنت، وتقدم خدماتها مقابل دفع رسوم من المشتركين في هاته التطبيقات التي تروج لخدمات جنسية.
ورصدت الهيئة كذلك، قيام أشخاص بتسيير شركات تعرض على موقعها الإلكتروني نظاما يرتكز على التمويل التشاركي عن طريق الانخراط، مقابل أرباح تصل إلى 150 في المائة، غير أن السلع المعروضة تباع بأثمة أقل من ثمن السوق، ولا يمكن أن تضمن نسب الأرباح المقترحة على المنخرطين، مما دعا إلى الاشتباه في كونه نظام للبيع الهرمي، حيث تتم تغذية الحساب بشكل شبه حصري بواسطة إيداعات نقدية مهمة يقوم بها أشخاص آخرون.
وكان البرلمان قد صادق على قانون جديد يهدف إلى محاربة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك بتتميم لائحة الجرائم الواردة في الفصل 574 من القانون الجنائي المغربي، بإضافة جرائم الأسواق المالية وجريمة البيع أو تقديم خدمات بشكل هرمي، ورفع الحدين الأدنى والأقصى للغرامة المحكوم بها على الأشخاص الذاتيين في جريمة غسل الأموال المنصوص عليها في الفصل 574 من القانون الجنائي، وذلك تماشيا مع المعايير الدولية التي تستلزم كون العقوبة المحكوم بها في هذا النوع من الجرائم يجب أن تكون رادعة
وتستغل هَذِهِ الشركة وسائط التواصل الاجتماعيّ للدعوة لمنتوجاتهم، ومنها الانخراط معهم برأسمال للحصول على عضوية عميل لديهم، ولا توجد صفحة فايسبوكيّة بعاصمة الغرباوية، إلا واحتوت إعلان فرصة عمل دون قدرات، ناهيك عن الملصقات في سيارات المشبوهة التي يمتلكها المدعو الاب الروحي.
ويعمل مُمثّلو الشركة إلى التكثيف ممَّا يصفونه بالتدريب على طرق جلب الآخرين، مُستعملين في ذلك أشخاص يتقنون فنّ السفسطائيّة، ويستعملون عباراتٍ دقيقةً وأسلوب الترغيب وذلك بعبارة «نحن نعرض عليك مشروعًا مربحًا، يغير حياتك من الحسن إلى الأحسن، ما رأيك؟».
ويعتمد هؤلاء على رسم أحلامٍ ورديّةٍ مبنيةٍ على بيع الوهم ويعرضون تاريخ الشركة ومقرها الَّذِي يُوجد في أوروبّا وأكثر الأشخاص الَّذِينَ حقّقوا الثراء بفضل التسويق الشبكيّ، هَذِهِ الشركات هدفها الوحيد يكمن في نسج أكبر شبكة مُمكنة من المنخرطين، الَّذِينَ يعتبرون وقودها الأساسي في مواصلة نشاطها ذي الطابع العرفيّ ومن دون أيّ عقد رسميّ أو وثيقة تثبت مشروعيته.
وطريقة عمل هَذِهِ الشركة جد غريبة، فهي تجعل من الأشخاص المُنخرطين فيها بعد أشهر من الذهاب والمجيء ومحاولة البحث عمَّن ينخرط ضمن فريقهم يفقدون الأمل وينسحبون في هدوء ويجعلون لشخص يمل ويتيقن بأنّه قد فشل في إقناع أشخاص للانضمام إليه ليترك العمل ومعها كلّ الأموال الَّتِي أنفقها ويحتسب عوضه على الله.
ويحذّر العديد من الضحايا من هَذِهِ الشركة الَّتِي تنشط في مدينة القنيطرة، ولها فروع بباقي جهات المملكة من الانخراط معهم، وذلك لعدم مصداقيتهم