مغربية بريس/مراكـش
يعظم الخطب حينما ننظر إلى النازلة الفقهية من زاوية النص فقط دون اعتبار النظر الصحيح إلى مآل التنزيل و اعتبار المصلحة العامة.
إن من أساسيات علم أصول الفقه التي يتعلمها الطالب في سنوات التحصيل الاولى، مسالة فهم معنى الدليل بين منطوق النص و بين الفهم المستفاد منه. لهذا نجد ان الأصوليين عرفوا الدليل بتعريفات متقاربة مفادها: ان الدليل هو ما يتوصل بصحيح النظر فيه إلى العلم بمطلوب خبري، او إلى العلم بالحكم الشرعي. و هناك تعريفات أخرى تدور في فلك العلم و المعرفة بالقواعد العامة التي بواسطتها يستفاد الحكم الشرعي من النص.
في موضوع زواج القاصرات الذي بين يدينا قيد الدرس و التحليل، يمكن النظر إليه من زوايا متعددة: اجتماعية و نفسية و تشريعية و كذا حقوقية. لكن ما أريد أن أتوقف عنده في هذا المقال هو الزاوية التشريعية الفقهية على سبيل الإجمال لا التفصيل، راجيا ان يكون مقالا مستفزا للوعي و التساؤل و البحث بعيدا عن التشنج و العصبية المذهبية المدمرة.
بالنظر إلى أصل التشريع في المسالة من الناحية الفقهية، نجد ان الامر يرجع إلى سؤال واحد: هل يجوز شرعا الزواج بالفتاة التي لم تبلغ الحلم؟ و ما دليل الشرع في ذلك؟ و هل ثبت ذلك عند السلف من الصحابة و التابعين؟ في الغالب عند الباحث في المسائل الشرعية ما تكون هذه هي خطوات الاستدلال و العلم.
عندما أتطرق لهذا الموضوع في الغالب ما تتثار قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيد عائشة و هي بنت ست سنين و الدخول بها و هي في سن التاسعة. و هي رواية تعتبر أصلا في المسألة، و قد أثير حولها الكثير من الجدل و النقاش. فبغض النظر عن صحة الرواية سندا و متنا، هل فعلا يعتبر هذا النص دليلا تشريعيا صريحا على جواز الزواج بقاصر؟
قبل النقاش لابد من الوقوف عند النص من مصدره:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : (تَزَوَّجَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَزَلْنَا فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ فَوُعِكْتُ [أي : أصابتها حمى] … فَأَتَتْنِي أُمِّي أُمُّ رُومَانَ وَإِنِّي لَفِي أُرْجُوحَةٍ وَمَعِي صَوَاحِبُ لِي ، فَصَرَخَتْ بِي فَأَتَيْتُهَا لَا أَدْرِي مَا تُرِيدُ بِي ، فَأَخَذَتْ بِيَدِي حَتَّى أَوْقَفَتْنِي عَلَى بَابِ الدَّارِ وَإِنِّي لَأُنْهِجُ حَتَّى سَكَنَ بَعْضُ نَفَسِي ، ثُمَّ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ مَاءٍ فَمَسَحَتْ بِهِ وَجْهِي وَرَأْسِي ، ثُمَّ أَدْخَلَتْنِي الدَّارَ ، فَإِذَا نِسْوَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي الْبَيْتِ فَقُلْنَ : عَلَى الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَعَلَى خَيْرِ طَائِرٍ . فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِنَّ فَأَصْلَحْنَ مِنْ شَأْنِي فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُحًى فَأَسْلَمَتْنِي إِلَيْهِ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ)
رواه البخاري (3894) ومسلم (1422)
المتتبع لشراح الحديث سوف يجد قول واحدا، هو أن المسالة عادية جدا و أن المناطق الساخنة يكون سن بلوغ الفتيات مبكرا بخلاف المناطق الباردة ، و أن هناك حكمة من زاوجه صلى الله عليه وسلم تتجلى في أنها كانت :
أولا :رؤيا منام و رؤيا الأنبياء حق . الحديث في البخاري
الثانية : أن الوحي كان ينزل بلحافها و كانت أحفظ نسائه للسنن لصغر سنها .
ثالثا : محبته لأبي بكر رضي الله عنه .
إلى غير ذالك مما ذكره الشراح مما لا نص عليه سوى الاجتهاد في تأويل الحكمة إذا ما استثنينا الرؤيا المنامية.
فهل كل هذه التأويلات كافية ليستحيل هذا النص إلى دليل على تشريع هذا النوع من الزواج؟ و هل يدخل فعله صل الله عليه و سلم في باب التشريع العام الصالح لكل زمان و مكان؟ أم هو فعل خاص بالنبي لا عموم فيه؟
حول هذه الأسئلة أجوبة كثيرة و نقاش كبير تخطى السند و المتن إلى دراسات في التاريخ و السنوات حيث عمد بعض الدارسين الى القول بأن عاىشة كانت حين دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم في سن الثامنة عشرة إلى حدود الحادية و العشرين و بذلك يرتفع الخلاف و يكون فعله زواجا مقبولا متفقا مع العرف و الشرع و الفطرة.
و من الفقهاء عكس ذلك، ممن تعمق في التأكيد على صحة المتن و القول بجواز نكاح الصغيرة بدلالة الحديث المذكور. و هو أمر يثير جدلا أخلاقيا و اجتماعياً حقيقيا إذا ما نظرنا إلى ححم معاناة القاصرات مع الزواج المبكر و تحمل المسؤولية و الحمل و الأبناء في ظل مجتمع مركب و معقد ليس على شاكلة المجتمع الاسلامي البسيط أيام مدينة النبي محمد عليه افضل الصلاة والسلام.
من هذه الحيثية المجتمعة المعقدة ينبغي الانطلاق في نقاش هذا الموضوع الشائك و المحرج، و لابد أن نضع الأسئلة الحقيقية مهما بدت مستفزة و قاسية. لابد أن نسأل: هل مجرد صحة نص ما يجعلنا نقول بعموم تطبيقه دون النظر في مآلات الأحكام و مدى موالمة تنزليها على أرض الواقع ؟؟ هل فقهائنا واعون بخطورة الفتوى بهذا النص أم أن النص مقدم على الواقع ؟
إننا عندما نتحدث عن زواج القاصرات فإننا نتحدث عن الطفولة ، ولا يخفى أن أساس التربية عند الطفل هو المواكبة و الملاعبة ، و عندما نتحدث عن لاعبه سبعا و علمه سبعا و صاحبه سبعا ، فإننا نتحدث عن مراحل تعليمية يحتاج فيها الطفل سواء كان ذكرا أو أنثى إلى الرعاية النفسية و الجسدية و الأخلاقية ، فلا يعقل أن نقطع المراحل كي نصنع منه رجلا قبل تجاوز المراحل الطبيعة التي فطر الله سبحانه و تعالى الناس عليها ، الطفولة و المراهقة و الرجولة ، إننا عندما نشهد كيف يؤيد زواج القاصرات إلى الاضطرابات النفسية لدى الصغيرة و إجهاض فترة عمرية غاية في الأهمية التي هي الطفولة ، ( لا نريد فتح بابا للحديث عن الإحصائيات الرسمية لوزارة العدل و الحريات حول عدد حالات الطلاق لدى القاصرات و لا عدد حالات النفور من بيت الزوجية بسبب عدم التواقف أو الازمات النفسية ) حينها نقف فعلا باستغراب لمعضلة الحديث من ناحية المثن و ليست المتعلقة بالسند ، أو على الأقل إن تجاوزنا فكرة الصحة و الضعف ، هل ينظر فقهائنا في مآلات الفتوى و تنزيل الأحكام .
إن التعلق بالنص خوفا من مناقشة ملابسات التنزيل ضرب من العبودية للظاهر- ظاهر النص- و الخضوع له دون تفكير في المآلات و الآثار المترتبة على التنزيل. هذا التشبث الحرفي بدعوى التأسي بسنة النبي صلى الله عليه وسلم خلق لنا مشاكل جمة حول مفهوم الزواج و الأسرة و التربية، فإذا كان تعريف الفقهاء للزواج هو ميثاق ترابط بين ذكر و أنثى على وجه الدوام غايته الإحصان و العفاف و تكوين أسرة صالحة. فإن هذه المفاهيم غائبة تماما في حالات زواج القاصرات الصغيرات اللواتي أجهضت طفولتهن من أجل إرضاء نزوة جنسية عابرة أو توهم الاستنان بفعل النبي الذي لا يعدو ان يكون واقعة عين لا عموم لها.. و هو أفضل الاقوال تنزلا عند القول بصحة الخبر.
مصطفى أمجكال
إستشاري أسري و تربوي