مغربية بريس
شالة الرملي ….. المانيا .
الإبادة الجماعية تُعد من أبشع الجرائم التي يمكن أن تُرتكب ضد الإنسانية، وتشمل عمليات قتل وتدمير منهجية تستهدف مجموعة من الناس بناءً على هويتهم. في سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تُثار اتهامات بالإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، وهي تعكس حجم المعاناة والعنف الذي تعرض له هذا الشعب على مدار عقود. رغم الدعم اللفظي الذي تعلنه الدول العربية للقضية الفلسطينية، يلاحظ تراجع ملموس في الدعم الفعلي على أرض الواقع. فما هي أسباب هذا التراجع؟ وكيف يمكن للأمة العربية أن تعيد الزخم للقضية الفلسطينية؟
الجذور التاريخية:
بدأت الأزمة الفلسطينية بشكل جدي مع نهاية الحرب العالمية الأولى وتفكك الإمبراطورية العثمانية. في عام 1917، أصدرت بريطانيا وعد بلفور الذي دعم إنشاء “وطن قومي لليهود” في فلسطين. تبع هذا الوعد موجات هجرة يهودية إلى فلسطين، مما أدى إلى تصاعد التوترات بين اليهود والعرب الفلسطينيين.
النكبة 1948 : يُعتبر عام 1948 نقطة تحول رئيسية في التاريخ الفلسطيني. أدى إعلان قيام دولة إسرائيل إلى نزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين من أراضيهم. عمليات الطرد الجماعي، القتل، وتدمير القرى الفلسطينية أدت إلى ما يُعرف بالنكبة، وهي كارثة قومية ما زالت تؤثر على الفلسطينيين حتى اليوم.
الاحتلال والإبادة الجماعية:
منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة في حرب 1967، يعيش الفلسطينيون تحت حكم عسكري صارم. تُتهم إسرائيل باستخدام القوة المفرطة، التعذيب، وعمليات القتل خارج نطاق القانون، مما يُعتبر من وجهة نظر العديد من المنظمات الحقوقية نوعًا من الإبادة الجماعية البطيئة.
الحصار على غزة : يُعتبر الحصار المفروض على غزة منذ عام 2007 أحد أبرز مظاهر هذه الإبادة. القيود الشديدة على حركة الناس والبضائع، القصف المتكرر، وتدمير البنية التحتية الأساسية أدت إلى ظروف معيشية كارثية لمليوني فلسطيني يعيشون في القطاع.
البُعد القانوني:
بحسب القانون الدولي، تُعد الإبادة الجماعية جريمة تنطوي على النية لتدمير جماعة قومية أو عرقية أو دينية أو إثنية. العديد من المنظمات الدولية، بما في ذلك هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، وثقت انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين، داعية إلى تحقيقات مستقلة ومحاسبة المسؤولين.
الأثر الإنساني:
الضحايا المدنيون : الأرقام تتحدث عن نفسها. آلاف المدنيين الفلسطينيين قُتلوا، ومئات الآلاف جُرحوا منذ بداية الصراع. الفقر، البطالة، ونقص الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء تزيد من معاناة السكان.
الأوضاع المأساوية: الوضع في غزة صعب جداً، حيث القصف لم يتوقف منذ بداية الحرب. الشوارع مليئة بالجثث التي أكلتها الكلاب، مما يعكس حالة الرعب والكارثة الإنسانية التي يعيشها الناس. في شمال غزة، يضطر الناس لتناول طعام الحيوانات وحتى أوراق الأشجار بسبب نقص الغذاء. الأطفال يموتون من قلة الغذاء، ومعظم الشعب يعاني من التهاب الكبد الوبائي نتيجة الظروف الصحية المتدهورة. الناس لا تملك المال لشراء الطعام، مما يزيد من حدة الأزمة الإنسانية. كيلو الطماطم يتجاوز سعره عشرة دولارات، مما يجعل من الصعب على الناس تأمين الاحتياجات الأساسية.
فراس أبو لطيفة، فلسطيني من غزة، يروي تفاصيل مرعبة عن الحياة اليومية في القطاع: “يعيش العديد من الناس في خيم بلاستيكية في درجات حرارة تتجاوز 40 درجة مئوية، بينما تصل الحرارة داخل الخيم إلى 60 درجة، مما يجعل الحياة لا تطاق. بالإضافة إلى ذلك، يعاني الناس من وجود الثعابين والحشرات الضارة داخل الخيام. تعرض الكثيرون للاعتقال والموت تحت التعذيب في السجون، مع تقارير عن استخدام الكلاب البوليسية لنهش المعتقلين، وحالات اغتصاب وانتهاكات جسدية فظيعة”.
اللاجئون الفلسطينيون : يعيش ملايين الفلسطينيين كلاجئين في دول الجوار مثل الأردن ولبنان وسوريا، بالإضافة إلى الضفة الغربية وغزة. هؤلاء اللاجئون يواجهون ظروفًا معيشية قاسية، وحرمانًا من حقوقهم الأساسية.
أسباب تخلي العرب عن فلسطين:
1. التغيرات السياسية الإقليمية:
تغيرت الديناميكيات السياسية في العالم العربي بشكل كبير خلال العقود الأخيرة. أحداث مثل الربيع العربي، الصراعات الداخلية في سوريا واليمن وليبيا، والصراعات مع إيران، كلها أدت إلى تحويل الانتباه والموارد بعيدًا عن القضية الفلسطينية.
2. التحالفات الدولية الجديدة:
التقارب بين بعض الدول العربية وإسرائيل، بدافع من مصالح استراتيجية واقتصادية، أدى إلى تراجع في الدعم العلني للقضية الفلسطينية. هذه التحالفات الجديدة تهدف إلى مواجهة التهديدات المشتركة مثل إيران، لكنها تأتي على حساب الالتزام التقليدي بدعم الفلسطينيين.
3. الأولويات الداخلية:
تعاني العديد من الدول العربية من مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية داخلية تجعل القضية الفلسطينية أقل أولوية. بالنسبة لهذه الدول، الاستقرار الداخلي والتنمية الاقتصادية يعتبران أكثر إلحاحًا من القضية الفلسطينية.
4. التعب والملل :
مع مرور الزمن ودون تحقيق تقدم ملموس في حل النزاع، يشعر الكثير من العرب بالتعب والملل من القضية الفلسطينية. تتسبب هذا الشعور بالإحباط وتراجع الحماسة والدعم النشط.
5. الخلافات الفلسطينية الداخلية:
الصراع المستمر بين الفصائل الفلسطينية، خصوصًا بين حركتي فتح وحماس، يعقد الوضع بشكل كبير. هذه الخلافات تؤدي إلى ضعف الموقف الفلسطيني وتقلل من فعالية الدعم العربي.
سبل إنقاذ فلسطين:
1. إعادة توجيه الدعم العربي:
يجب على الدول العربية إعادة النظر في أولوياتها وإعادة توجيه الدعم السياسي والمالي للفلسطينيين. يمكن للدول الغنية بالموارد المالية مثل دول الخليج أن تلعب دورًا أكبر في دعم المشاريع التنموية والبنية التحتية في فلسطين.
2. تعزيز الوحدة الفلسطينية:
تحقيق الوحدة بين الفصائل الفلسطينية أمر حاسم. يجب على الدول العربية الضغط على الفصائل الفلسطينية لتوحيد جهودها وإنهاء الانقسامات الداخلية. الوحدة الفلسطينية ستقوي الموقف التفاوضي وتزيد من فعالية الدعم العربي والدولي.
3. العمل الدبلوماسي:
يجب على الدول العربية أن تعمل بشكل مشترك على الساحة الدولية لدعم القضية الفلسطينية. يمكن استخدام المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة للضغط من أجل حقوق الفلسطينيين وإنهاء الاحتلال.
4. التوعية والإعلام:
تعتبر حملات التوعية والإعلام ضرورية للحفاظ على الوعي بالقضية الفلسطينية. يجب على الدول العربية استخدام وسائل الإعلام للتذكير بأهمية القضية الفلسطينية وتثقيف الأجيال الجديدة حول تاريخ ونضال الشعب الفلسطيني.
5. المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل:
تشجيع المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل يمكن أن يكون وسيلة فعالة للضغط. تعزيز حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات يمكن أن يؤثر على الاقتصاد الإسرائيلي ويدفع نحو تحقيق العدالة للفلسطينيين.
6. التعاون مع المجتمع الدولي:
تعزيز التعاون مع الدول الأخرى التي تدعم القضية الفلسطينية يمكن أن يزيد من الضغط على إسرائيل لتحقيق تسوية عادلة. يمكن للدول العربية أن تكون جسراً بين الفلسطينيين والمجتمع الدولي، مستغلة نفوذها لتحقيق أهداف سياسية وإنسانية.
الإبادة الجماعية في فلسطين ليست مجرد قضية سياسية بل هي مأساة إنسانية تحتاج إلى اهتمام فوري وجاد من المجتمع الدولي. إنقاذ فلسطين يتطلب جهدًا مشتركًا من الدول العربية والمجتمع الدولي، إضافة إلى وحدة الصف الفلسطيني. عبر إعادة توجيه الدعم وتكثيف الجهود الدبلوماسية، يمكن للعالم العربي أن يلعب دورًا محوريًا في إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني. يجب على العالم ألا يبقى صامتًا أمام معاناة الشعب الفلسطيني، بل يجب أن يتحرك لضمان حقوقهم وإنهاء هذه المأساة المستمرة.