الدكتور مصطفى مشيش العلمي: مسيرة من العطاء والتضحية في خدمة الوطن والمواطن

مغربية بريس

متابعة خاصة……..قسم الأخبار

 

لقد كان المغرب في فترة ما بعد الاستقلال في حاجة إلى رجالاتٍ يحملون راية العلم والمعرفة، ويعملون على إرساء دعائم التنمية المستدامة. ومن بين هؤلاء الرجال الذين خدموا وطنهم بحب وإخلاص، يبرز الدكتور مصطفى مشيش العلمي، الذي وُلد في عام 1932 في مدينة القنيطرة، التي تشهد اليوم على إنجازاتٍ لامعةٍ لرجل سعى بكل جوارحه إلى رفع شأن بلاده.

نشأ الدكتور مصطفى مشيش العلمي في بيئةٍ كانت تتنفس حب العلم وحب الوطن، مما دفعه منذ صغره إلى أن يكون طالب علمٍ مخلصٍ، يبحث عن سبل بناء المستقبل. منذ بداياته في مدينة القنيطرة، التي كانت تشهد تحولات وطنية كبيرة، أخذ مشيش يحرص على الارتقاء بفكره ويعكف على دراسة التحديات التي كانت تواجه البلاد في مرحلة البناء.

مسيرة علمية رائدة: من القنيطرة إلى باريس ثم واشنطن

في عام 1954، كانت القنيطرة تُودع ابنها مُصطفى مشيش العلمي، الذي قرر أن يغامر بعقله نحو العالم الأوسع. كان الطموح الذي يعتمر قلبه أكبر من حدود المدينة أو حتى حدود الوطن. فتوجه إلى باريس، حيث درس في المدرسة العليا للمهندسين والتقنيين في الفلاحة، وحصل على دبلوم الهندسة الزراعية، ليتحول بفضل ذلك إلى ميدانٍ آخر من الميادين التي طالما كانت محط اهتمامه: الاقتصاد والتنمية المستدامة.

وبينما كان في باريس، بدأ يحلم بمستقبلٍ أفضل للمغرب، وظهرت على وجهه ملامح رجلٍ عميقٍ في تفكيره، محبٍ لبلاده، ومؤمنٍ بأن العلم والتخطيط الاقتصادي هما السبيل الأوحد لخدمة وطنه. وفي عام 1963، نال الدكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعة جورج تاون في واشنطن، ليضع قدمه على أولى خطوات المساهمة الفعلية في تنمية المغرب المستقل.

العودة إلى الوطن: العطاء في خدمة البناء الوطني

لكن الدكتور مشيش، الذي كان يحمل أفكارًا علمية طموحة، لم يرضَ عن مجرد التحصيل الأكاديمي، بل قرر أن يساهم في بناء وطنه بنفسه. فكانت العودة إلى المغرب محطته التالية. حيث بدأ في خدمة وطنه من خلال عدة مناصب حكومية، متنقلاً بين وزارة الفلاحة ووزارة الشؤون الخارجية، ليخدم بلاده ليس من داخل أسوار المكاتب، بل على الساحة الدولية. ففي الفترة من 1957 إلى 1961، مثل المغرب في باريس ونيويورك وواشنطن، وكان صوته ينقل اهتمامات وطموحات وطنه إلى العالم.

لقد حمل في قلبه إيمانًا راسخًا بمستقبل الوطن، وبهذا كان يطوّر العديد من الاستراتيجيات التي تصب في صالح الوطن والشعب المغربي. لم يكن الدكتور مشيش مجرد دبلوماسي أو مسؤول حكومي، بل كان منسجمًا مع تطلعات المغرب في مراحل البناء والتطور.

المنظمات الدولية: مساهماته التي تجاوزت الحدود الوطنية

وكما يتسم رجالُ الدولة الكبار برؤيتهم العالمية، كان الدكتور مصطفى مشيش العلمي دائمًا في الطليعة. فقد انضم إلى منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، وكان عضوًا في البنك الدولي في واشنطن، حيث كانت تجربته وخبرته تُسهم بشكل فعال في بلورة السياسات الدولية التي تهدف إلى التنمية الاقتصادية، سواء على المستوى العالمي أو في بلادنا.

لقد استخدم علمه ومعرفته ليس فقط لتحقيق مصالح وطنه، بل كان أيضًا يشدد على ضرورة تفعيل العلاقات الاقتصادية الدولية بما يخدم تقدم المغرب في مختلف المجالات، خاصة تلك المتعلقة بالزراعة والصناعة.

الالتزام الاجتماعي والسياسي: نظرة شمولية وخدمة مستمرة

ومن أجل أن يتحقق التوازن بين السياسة والعطاء الاجتماعي، لم يقتصر الدكتور مصطفى مشيش العلمي على أدواره الأكاديمية أو الدبلوماسية، بل كان له دورٌ فعالٌ على المستوى المحلي أيضًا. ففي عام 1992، أصبح عضوًا في الجماعة الحضرية للقنيطرة، وكان له حضور بارز في مجال السياسة المحلية، حيث انتُخب نائبًا برلمانيًا بين عامي 2002 و2007، مساهمًا في رسم السياسات التشريعية التي كانت تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية في المغرب.

لقد كان من أولئك الرجال الذين لا يقيمون حدودًا بين المسؤوليات الاجتماعية والسياسية، بل كانوا يرون أن التزامهم في خدمة الوطن والمواطن هو الذي يعكس عمق الواجب الوطني.

الحياة الفكرية والثقافية: مؤسسة سيدي مشيش العلمي

لم يتوقف عطاء الدكتور مصطفى مشيش العلمي عند حدود الوظائف السياسية أو الأكاديمية، بل سعى أيضًا إلى تأسيس مؤسسة سيدي مشيش العلمي، في عام 1994، التي أصبحت بمثابة منارة ثقافية وفكرية. وقد برزت هذه المؤسسة كداعم رئيسي للثقافة والفنون في المغرب، وأصبحت ملتقى للمفكرين والمبدعين، ومنصة لتبادل الأفكار والآراء التي تهدف إلى النهوض بالإنسان.

من خلال هذه المؤسسة، نظمت العديد من الفعاليات الثقافية التي ساهمت في نشر الوعي وفتح الآفاق نحو مستقبلٍ جديدٍ يحرص على التعليم والفن جنبًا إلى جنب مع التنمية الاجتماعية. كانت هذه الفعاليات تُعبّر عن روح المغرب الجديدة التي تجمع بين الحداثة والتراث.

الوفاء للإنسانية وللوطن:

وفي الختام، لم يكن الدكتور مصطفى مشيش العلمي مجرد رجل سياسة أو أكاديمي، بل كان رجلًا متفانيًا في خدمة وطنه، وكانت حياته مثالاً على الإخلاص والتفاني في العمل من أجل المصلحة العامة. عمل بلا توقف، وكان يشق طريقه بكل إيمانٍ في الله، وثقةٍ في قدرة وطنه على النهوض والارتقاء.

نرفع أكف الدعاء إلى الله عز وجل أن يبارك في عمره، وأن يمده بالصحة وطول العمر لمواصلة عطائه في خدمة المغرب، وأن يظل منارةً في سماء وطننا، وقدوة لكل من يطمح إلى بناء غدٍ أفضل لهذا الوطن العزيز.

اعجبك المقال؟ يمكنك مشاركته من خلال منصتك المفضلة
اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد