كتب محمد قجاج البرنوسي
رسالة من بروكسيل
مرة أخرى يتأكد للعالم أن المملكة المغربية دولة رائدة في مجال مكافحة التطرف والإرهاب ومدرسة تصحيحية لفهم ومعالجة الفكر الظلامي مما جعلها مرجعا علميا وعمليا يعتمد عليه دوليا سواء من ناحية المقاربة الأمنية الاستباقية أو من حيث تصحيح وإصلاح الفكر التطرفي المعادي للسلام والتعايش .
هذا وقد أثلج قرار العفو الملكي الكريم الذي صدر عن أمير المؤمنين محمد السادس ليلة عيد الفطر السعيد ، شريحة النزلاء المحكوم عليهم في قضايا التطرف والإرهاب والمشاركون في الدورة الثالثة من برنامج « مصالحة» وعددهم إحدى عشر ، بعدما أعلنوا بشكل رسمي نبدهم لكل أنواع التطرف والإرهاب وتشبتهم المتين بثوابت ومقدسات الأمة ومؤسساتها الوطنية ، وهي مبادرة تثمن مدارس الإعتدال ومناهجه الدينية وترجح منظومة المراجعة الفكرية التي آتت أكلها من خلال فتح المجال أمام المغرر بهم في سلوكيات العداء والقتل والكراهية ، وأغلقت جميع منافذ الغلو الفكري الظلامي الأعمى الذي تشبعت به أفكار الجيل العربي والإسلامي غير الناضج دينيا والذي وجد فيه دعاة الشر والتطرف ضالتهم لاستقطاب أبنائنا وفلدات أكبادنا في شتى أنحاء المعمور ، ومن خلال مبادرة العفو الملكي عن هؤلاء تتضح الصورة جلية أمام العالم الذي أصبح مهددا من قبل هذه الثيارات الفاشلة المعادية للتعايش والسلام وأكدت في الوقت داته أن المقاربة الأمنية وحدها لاتكفي لمواجهة عصابات التطرف مالم تكتمل بالمعالجة الفكرية التي أتت نتائجها باهرة داخل المؤسسات السجنية في المملكة المغربية وحدت حدوها دول العالم الإسلامي ، وجاءت نتائجها مرضية جادة ، عاد معها المغرر بهم في عمليات التفجير والإرهاب إلى الصواب والجادة وتأكد لديهم أن الطريق الذي سلكه هؤلاء إنما كانوا يمثلون فيه قرابين أمراء الحرب الجاهلية أنصار القتل الهمجي ، وقد استحسن كل المهتمين والخبراء والمؤسسات الأوروبية والعربية المعنية بمكافحة التطرف مشروع وقرار العفو الملكي باعتباره أداة علمية للإدماج والعودة الى الحياة الطبيعية الهادئة داخل المجتمع ، وأن العفو الملكي يخدم مصالح الأمة والفرد ويجعل هذا الأخير يميز بين الفساد والصلاح وبين الحب والكراهية وكيف يعود إلى أحضان حياته منتجا وليس أداة موصلة للقتل باسم الدين .
لقد دأبنا ومن خلال المهام الدينية التي نحن مطوقون بها داخل المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة بأوروبا على اتباع نهج الوسطية والإعتدال في كل المناهج الدينية والوعظ والترشيد ، وفي كل البرنامج الإسلامية المعدة لهذا الغرض ، ونساهم في نشر ثقافة التعايش واحترام العقائد والناس ومعتقداتهم ، وفي إنتاج جيل صالح يفيد البلاد والعباد ويعطي صورة ناصعة للمسلم المثالي الناجح ، وهذا ما استنتجناه في أوساط الجالية العربية والمسلمة في أوروبا ، حيث لا ننكر أن هناك شرائح مسلمة في الغرب أبلت البلاء الحسن في التعامل والأخلاق وحسن التعايش وصارت أمثلة نموذجية في العطاء والتقدير وتقلدت مناصب عليا في كراسي المؤسسات الأوروبية والعالمية وصار لها شأن كبير في التدبير والتسيير .
إن قرار العفو الملكي في حق المغرر بهم في قضايا الإرهاب والغلو هو قرار حكيم يعطي الفرصة لكل من وجد في نفسه جرأة المصالحة وساهم في إعادة إدماجه في عالم السلام والتعايش وتأكد له بعد التوبة والرجوع أن الإنسانية خلقت للتعارف والتشارك والتطابق والإنتاج ، وأن القتل والعدوانية والكراهية هي قتل للإنسانية جمعاء وأن الفكر الإنساني هو ملك للإنسان وليس أداة في يد عصابات الغدر الإنساني باسم الدين الذي يجرم ويحرم الإعتداء والقتل وسلب أرواح الأبرياء .