المهداوي وغيره من الصحافيين…. هم ضحايا سوء تدبير المجلس الوطني للصحافة، وضعفه في استيعاب ادواره القانونية والتنظيمية

مغربية بريس

متابعة خاصة :   قسم التحرير

كلنا نتابع كمهنيين قضية الصحفي المهدوي المتابع من طرف وزير العدل بتهمة التشهير والسب والقذف ونشر ادعاءات كاذبة، وهذا حق مكفول لكل المغاربة كيفما كان شأنه.
وبغض النظر عن تبرئة المهدوي من إدانته، فإن الاشكال القانوني المطروح يطال جميع الصحافيين وليس المهدوي، بمعنى أن هذه القضية ليست قضية المهدوي بل هي قضية الصحافة الوطنية. بحيث كل الصحافيين المهنيين معنيون بهذه المتابعة وما سيسفر عنها. فإذا حكم على صحافي بالقانون الجنائي فهذا يعني أن قانون الصحافة لم يعد يجدي، وأن مصير الصحفي أصبح في كف عفريت. قد يتابع جنائيا أو وفق قانون الصحافية. بمعنى “أنت وحظك”
حقيقة إن قضية المهدوي هي قضية قانون صحافة اعور ومعيب ومجحف، كما كنا نصرح به دائما، ومتناقض وليس له أي أثر أو تأثير سواء في التقاضي أو الممارسة أو التنظيم. قانون فضفاض، ثوبه قابل للحياكة حسب التأويلات والتقديرات. وهو ما استغله المجلس متحايلا بذلك على القانون، ومتجاوزا باب الاجتهاد إلى استصدار قوانين ليست من اختصاصاته، تعود في الأصل إلى اختصاصات المؤسسة التشريعية، حيث أصبحنا نمسي على قانون ونستيقظ على نقيضه. ففي كل سنة يحدث المجلس قوانين وإجراءات جديدة مزاجية ودون حسيب أو رقيب قانوني، بالرغم من وجود ممثل السلطة القضائية الحاضر الغائب. مجلس يعبث بالقانون ويقيسه حسب أهدافه الذاتية أو انتماءاته التنظيمية والحزبية، في غياب اية موضوعية أو شفافية، أو مراعاة للديمقراطية والشرعية. فمثلا ليس من حقه منح صفة مدير النشر، لأن الجهة الوحيدة المخول لها ذلك هي النيابة العامة، ومع ذلك يعمل المجلس على إصدار بطائق مهنية تحمل صفة مدير النشر، مع العلم أن قانون رقم 89-13 كان واضحا، ونص على خمسة أنواع من البطائق المهنية، أربعة منها يمنحها المجلس الوطني للصحافة وهي: صحفي متدرب، صحافي مهني، صحفي حر وصحفي شرفي. أما البطاقة الخامسة وهي بطاقة صحافي معتمد فتمنحها وزارة الاتصال. فما علاقة بطاقة الصحافة بصفة مدير النشر؟ أين هنا سلطة المجلس على مدير النشر؟ وأين النص القانوني الذي يعطي الحق للمجلس بمنح بطاقة تحمل صفة مدير النشر؟ ثم أن مهمة مدير النشر ليست صفة مهنية بل هي مسؤولية إدارية تمنحها النيابة العامة للشخص باعتباره الممثل القانوني لإدارة النشر، والمسؤول على كل ما ينشر بالجريدة. وبالتالي فهي وظيفة ومهمة وليست صفة. ومدير النشر هو نفسه يحمل بطاقة صحافي مهني داخل المجلس، أي يعتبر في نطاق قانون المجلس وقانون النظام الساسي للصحافيين كصحفي مهني فحسب، وحتى عندما نتوجه إلى النيابة العامة للحصول على مهمة ومسؤولية مدير النشر ندلي ببطائقنا المهنية كصحافيين مهنيين. حيث ينص البند الخامس من المادة 16 على شرط التوفر على صفة صحفي مهني للحصول على تصريح بمزاولة مهمة مدير النشر. وعندما واجهتُ رئيس المجلس الوطني للصحافة بهذا التوضيح والمعطى القانوني، أجابني برعونة، وقال لي على أنه لأول مرة يسمع من مدير النشر (يقصدني) رغبته في عدم الحصول على بطاقة تحمل صفة مدير النشر. وللأسف لدي مع هذا المجلس قصصا أخرى حول قانون الصحافة، وكنت قد قدمت طلبا للتواصل مع القاضي، ممثل السلطة القضائية بالمجلس، للوقوف على بعض الاختلالات القانونية التي رشحت عن رئيس المجلس ورئيس لجنة البطائق، أو قل للوقوف على حدود المستوى العلمي لكل واحد منهما، لأنه لا يعقل ان يسهر على تطبيق القانون أشخاص يجهلون فهمه وشرحه وتأويله. إذ كان أملنا الوحيد هو التواصل مع ممثل السلطة القضائية بالمجلس إلا أن هذين الشخصين رفضا طلبي، خوفا من فضح ضعفهما القانوني ومن ثمة العلمي.
واعتقد لو كان القانون واضحا وسليما من كل العيوب والالتباس والتناقضات، لما وجد الصحفيون أنفسهم في السجن، ولا توبع الزميل المهدوي، ولا اضطر السيد وزير العدل أو غيره من المسؤولين بالحكومة والمواطنين إلى مقاضاة الصحافة. بل لما انتشرت ظاهرة انتهاك الحياة الخاصة ونشر الخبار الزائفة. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ان المتهم الرئيس فيما تعيشه الصحافة الوطنية من أزمات في المهنة، وانتكاسة في التنظيم، وانحطاط في المحتوى وضعف في التسيير، هو بالأساس ناتج عن المستوى المتدني لبعض أعضاء المجلس، الذين يتحكمون في تدبير قطاع الصحافة بمزاجهم وجهلهم ورعونتهم. والذين عز عليهم حتى فهم واستيعاب مدونة الصحافة والنشر فبالحرى تطبيقها.
وهنا يكفي الاستدلال بماهية وجدوى لجنة الوساطة والتحكيم المنصوص عليها في قانون المجلس الوطني للصحافة وعلاقتها بقانون الصحافة والنشر رقم 13-88، والتي كانت ستعفي السيد الوزير والسيد المهدوي من هذا السجال الوطني الدائر.
الاستدلال الأول : يطرح دور لجنة الوساطة والتحكيم المسؤولة بالمجلس، التي يراسها قاضي من ذوي الاختصاص، يمثل السلطة القضائية، لمعالجة مثل هكذا قضايا مهنية ونزاعات إعلامية. ومن ثم يحيلنا الاستدلال إلى طرح أسئلة من قبيل : لماذا لم يلجأ المهداوي أو السيد الوزير إلى لجنة الوساطة والتحكيم، لفض النزاع القائم بينهما؟ ثم ما الغاية من سن 8 مواد قانونية تؤطر مقتضيات الباب الرابع المتعلقة بالوساطة والتحكيم، المنصوص عليها في قانون 13-90 الخاص بالمجلس الوطني للصحافة، إذا لم يتم تطبيقها؟
ونستدل هنا، من خلال لجوء الأغيار إلى المحاكم عوض المجلس الوطني للصحافة، على أن القانون المؤطر لهذا الأخير، لا يعد به، ولا يصلح للتقاضي، وأن لجنة الوساطة والتحكيم لا ترقى إلى لعب الأدوار المنوطة بها، باستثناء خوضها في بعض القضايا المهنية البسيطة جدا، المتعلقة بالمقاولات الصغيرة جدا، والتي لا تحتاج لأي وسيط أصلا، ولا تحتاج لاستنزاف 3 ملايير و200 مليون من المال العام للدولة.
الاستدلال الثاني : يتمثل في عدم تدخل المجلس أو قاضي لجنة الوساطة والتحكيم للتواصل مع النيابات العامة، بغية إحاطتها بإعمال المواد المنصوص عليها في الباب الثالث من قانون 13-88 المتعلقة بالصحافة والنشر، الذي ينص على حق التصحيح والرد، وجعله كشرط أساسي لرفع اية شكايات أو متابعة قضائية، لاسيما في قضايا التشهير ونشر الأخبار المزيفة. بمعنى الالتماس من المحاكم الخاصة بعدم قبول رفع أية الشكاية إلا بعد عدم تمتع المدعي من حقه في الرد والتصحيح. كما كان على المجلس أن يكون دائما قريبا من كل ما يجري في ساحته المهنية حتى يتمكن من التدخل، لإشعار وتوجيه الأغيار بضرورة استعمال الحق في حق الرد والتصحيح قبل اللجوء إلى المحكمة او الى لجنة الوساطة والتحكيم.
ووجه الاستدلال والتساؤل، يتمثلان أساسا في الغاية من سن باب بأكمله في قانون الصحافة والنشر، يتضمن 10 مواد، من المادة 115 إلى المادة 124 حول حق الرد والتصحيح، ولا يتم العمل به، أو اللجوء إليه أثناء التقاضي وفض النزاعات، أو تقديم الوساطة وإصلاح ذات البين.
ويتبن من خلال ما سبق ان الإشكالية في قانون الصحافة، وفي المجلس الوطني الذي لا يقوم بدوره التوجيهي والوسيطي والتحكيمي، ففي غياب هذا الوعي والنضج بالقانون لدى المجلس، ستظل المهنة تعيش أزمة قانونية، ويتهدد المهنيين المحاكمات والمتابعات القضائية والسجن، وتعاني المحاكم من تكدس القضايا وملفات المتابعات القضائية.
في المقال القادم سنطرح قضية متابعة الزميل المهدوي بالقانون الجنائي عوض قانون الصحافة، إن شاء الله.

اعجبك المقال؟ يمكنك مشاركته من خلال منصتك المفضلة
اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد