مغربية بريس
عبد الرحيم النبوي: مكتب اسفي
احتضنت قاعة الجلسات رقم 1 بمقر محكمة الاستئناف بآسفي، أشغال الندوة العلمية الجهوية، حول موضوع” جريمة الاعتداء على الأشخاص واليات حماية الآمن المجتمعي” والمنظمة من طرف محكمة الاستئناف بآسفي و بمشاركة ثلة من رجال الفكر والخبراء والمهتمتين من قضاة وأساتذة وباحثين. .
وتأتي هذه الندوة العلمية الجهوية، تفعيلا لاتفاقية الشراكة بين محكمة الاستئناف بآسفي و نقابة هيئة المحامين بآسفي والكلية المتعددة التخصصات بآسفي، وذلك بهدف تبادل الرؤى بين كل المشاركين وتخصصاتهم والوقوف على الإشكالات القانونية والاكراهات الواقعية التي يثيرها موضوع الندوة.
وفي كلمة افتتاحية، أوضح محمد الشتوي الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بآسفي، أن المشرع المغربي قسم في القانون الجنائي الخاص، الجرائم على ساس طبيعة المصلحة أو الحق الذي يروم حمايته بنص التجريم، ومن تم فإذا كان الحق الذي تعرض مباشرة للضرر يتعلق بشخص معين أو أشخاص معينين، فان الجريمة توصف بأنها اعتداء على الأشخاص ويدخل في زمرة هذه الجرائم جرائم القتل والضرب والجرح والاعتداء على العرض تم جرائم السرقة والنصب وخيانة الأمانة وغيرها، مضيفا انه إذا كان المعتدى عليه يتعلق بالمجتمع فان الجريمة تكون مضرة بالمصلحة العامة ككل مثل الجرائم الماسة بآمن الدولة، وبعبارة أوضح فان جرائم الاعتداء على الأشخاص هي تلك الجرائم التي تمس آو تهدد بالخطر الحقوق اللاحقة بالإنسان كالحق في الحياة أو سلامة جسده.
و أشار الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بآسفي، أن هذه الجرائم قد تطورت مع تطور التكنولوجيا الحديثة، حيث أصبحت الاعتداءات على الأشخاص تتم حتى من خلال المواقع التواصل الاجتماعي، وللوقاية من هذه الجرائم والحد من تأثيراتها السلبية يقول الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بآسفي، تبدل الجهات الأمنية من أمن ودرك وقوات مساعدة جهود جبارة تتمثل في ضبط المخالفين وتحرير محاضر لهم وتقديمهم أمام العدالة تحت إشراف النيابة العامة المختصة، مؤكدا على الدور الهام الذي يلعبه المجتمع المدني في هذا في هذا الإطار، و المتمثل في التحسيس والتوعية، ويبقى القضاء رئاسة ونيابة عامة الحامي لأرواح المواطنين وأموالهم وأعراضهم عن طريق إصدار أحكام عادلة ومنصفة وداخل اجل معقول.
ومن جهته، أشار الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بآسفي خالد كردودي، في كلمته التي تلاها نيابة عنه، نائب الوكيل العام للملك عبد الاله حجوج، إلى أن الوقاية من الجريمة تحتل المقام الأول ضمن اهتمامات الدول إذ أن الاستقرار في الحياة العامة والازدهار الاقتصادي والنمو الاجتماعي، كل ذلك تقول كلمة الوكيل العام للملك، رهين بسلامة المواطن نفسه وماله، وتشكل الجريمة تهديدا مباشرا لهذه السلامة عما تحمله من خطر على كيان الإنسان، مما يؤدي إلى تصدع المجتمع وتفكك الروابط الاجتماعية، وبالتالي يصبح الإنسان غريبا في محيطه، منطويا على نفسه، دائم الظن بالسوء اتجاه الغير، وهذا من علامات تقهقر المجتمع القائم أصلا على ثقة المواطنين المتبادلة، وعلى شعورهم بالأمن والاستقرار، وقد أصبحت المجتمعات اليوم تعاني من تصاعد الإجرام فيها، بصورة جعلت القائمون على شؤون العدالة والأمن يكرسون معظم جهودهم على وضع سياسة وقائية لحماية المواطن وتامين سلامته.
وأكدت كلمة الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بآسفي، أن السلوك الإجرامي مسالة معقدة، فهو خلاصة لتفاعل ثلاثة عوامل: بيولوجية ، نفسية ، واجتماعية ، مما جعل السلوك الإجرامي بصوره المتعددة وذكاء مرتكبيه، وتعدد أسبابه ودوافعه واختلاف ظروفه، محل دراسات مضنية وشاقة، تكلفت بها فئة من العموم أهمها : الانتروبولوجيا الجنائية وعلم الاجتماع الجنائي وعلم الإجرام والعقاب، مضيفا أن المجتمعات مند القدم، قد عملت جاهدة على الحد من الجريمة، أسلوبها في ذلك العقوبة باعتبارها رد الفعل الاجتماعي للجريمة لحماية المجتمع والقيم وتحقيق العدالة الجنائية ومعالجة كل صور الانحراف السلوكي،مذكرا بما كان عليه الفكر التقليدي الذي كان يعتبر أن العقوبة هي الوسيلة الوحيدة لمكافحة الجريمة، ورغم تنوع صدورها، فقد اتصفت بالشدة والقسوة في التنفيذ من أجل ردع الجاني عن الإجرام، إلا أن هذا الاتجاه تقول كلمة خالد كردودي، لم ينجح في تحقيق الهدف من العقوبة باعتبارها أداة للقضاء على الجريمة، غير انه لوحظ أن موجات الإجرام ظلت في ازدياد، مما أحدث تحولا في الفكر الجنائي، حيث اتجه إلى دراسة أسباب الإجرام بأسلوب علمي يجمع بين مختلف العلوم ذات الصلة بظاهرة الجريمة، وأهمها القانون وعلم الاجتماع والانتروبولوجيا وعلم النفس وعلم الإجرام، فانصبت الدراسات على فهم الجاني ومحيطه ومن تم العمل على إزالة عوامل الجريمة ومسبباتها ، وبذلك اخذ الدور الوقائي يبرز إلى الوجود ويصبح موضوعا لدراسات السياسة الجنائية بعد تأكد فشل العقوبة لوحدها في الحد من الجريمة، وقد برز هذا الاتجاه على الصعيد الدولي من خلال إنشاء قسم الدفاع والوقاية من الجريمة التابع للأمم المتحدة واللجنة الدولية للوقاية من الجريمة والمعاهد المختصة بهذا الشأن.
وأوضح الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بآسفي، في الكلمة التي تلاها الاستاذ عبد الاله حجوج، أن الأجهزة الأمنية غالبا لا يمكن لها التصدي للجريمة دون تحليل المعلومات والبيانات المرتبطة بها بواسطة خبراء أمنيين، تمكن من توفير قاعدة بيانات تساعد الأجهزة الأمنية من تحقيق رسالتها وأهدافها الإستراتيجية، مبرزا أن التحليل الأمني يقصد به دراسة البيانات والمعلومات والظواهر والشخصيات بهدف الوصول إلى حقائق تفيد وتساعد في حل المشكلات الأمنية الحاضرة أو المستقبلة، ويعتبر التحليل الأمني للجريمة أساسا للتخطيط العلمي السليم للحد من الجريمة، ومفتاحا لاحتواء الجريمة بتحديد مناطق ارتكابها، وتحديد أماكن المجرمين، وتحليل أنماط إجرامية والأوساط التي ينشط فيها المجرمون .
وخلصت كلمة الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بآسفي، أن تحقيق الأمن المجتمعي لم يعد مهمة تقتصر على جهود الأجهزة الأمنية، وإنما هو مسؤولية جماعية تتضافر فيها كافة الجهود، ولهذا ينبغي على الأسرة أو المدرسة أو المواطن والمجتمع المدني والإعلام تحمل المسؤولية، والتعاون مع الأجهزة الأمنية فيما يحقق الأمن المجتمعي.
وقد استأثرت مواضيع الندوة باهتمام كبير من طرف الحضور ، حيث تمت معالجة موضوعها من خلال ثلاثة محاور رئيسية، حيث انصب المحور الأول على تشخيص ظاهرة الاعتداء على الأشخاص من خلال رصد مظاهر وأسباب وأنواع الاعتداء على الأشخاص، بما في ذلك الاعتداء الذي يتم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وقد تناول هذه المواضيع كل من الاستاذ ياسين مسكين نائب وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بآسفي، والأستاذ يوسف بورضى أستاذ جامعي بالكلية المتعددة التخصصات بآسفي.
في حين تطرق المحور الثاني إلى سبل الوقاية لحماية الأمن المجتمعي والتي تبرز أساسا من خلال جهود الأجهزة الأمنية ودور المجتمع المدني، لكل من العميد الممتاز إدريس الحريكي نائب رئيس الأمن الإقليمي بآسفي، والأستاذة عائشة المعاشي محامية بهيئة المحامين بآسفي .
أما المحور الثالث فقد خصص لبسط آليات مكافحة ظاهرة الاعتداء على الأشخاص ، من خلال جهود المؤسسات الأمنية والجهاز القضائي نيابة عامة ورئاسة، لكل من النقيب مصطفى النجار قائد سرية الدرك الملكي باليوسفية والأستاذ هشام صبري النائب الأول لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية باليوسفية، والإستاد حسن الطاهري قاض بالمحكمة الابتدائية بآسفي .