بوجمعة بنخريف: أسطورة دفاع مغربية تجسدت فيها الروح الرياضية والقيم الوطنية

مغربية بريس سبور 

متابعة خاصة ……..قسم الرياضة 

 

في عالم كرة القدم، لا تُقاس العظمة فقط بعدد الأهداف أو عدد الكؤوس، بل تُقاس أيضاً بالقيم التي يغرسها اللاعب في نفوس الجماهير، وبالروح الوطنية التي يبثها في زملائه، وبالقدوة الأخلاقية التي يمثلها للأجيال الناشئة والقادمة. ومن هذا المنطلق، يبرز اسم بوجمعة بنخريف، ليس فقط كأحد أفضل المدافعين في تاريخ رياضة الكرة المغربية، بل كرمز للتفاني والانضباط والوفاء، لاعبًا ومواطنًا وإنسانًا.

نجم من ذهب في سماء الكرة المغربية:

وُلد بوجمعة بنخريف في 30 نونبر 1947، ليبدأ رحلة رياضية استثنائية ستُكتب بحروف من ذهب في سجل الكرة المغربية. منذ التحاقه بالنادي القنيطري سنة 1965، برز كمدافع من طينة الكبار، يمتلك مقومات فنية وبدنية نادرة، ما جعله محط إعجاب كل من شاهده في المستطيل الأخضر. لم يكن مجرد مدافع يؤدي واجبه الدفاعي، بل كان “سابقًا لعصره” كما قال بعض النقاد، نظرا لأسلوبه العصري الذي يجمع بين القوة البدنية، الدقة في التمرير، والسرعة في الارتداد الهجومي.

لقد ساهم بشكل فعّال في قيادة “فريق النادي القنيطري” إلى التتويج بلقب البطولة الوطنية سنة 1973، قبل أن يعود لاحقًا كمدرب ويمنح نفس الفريق لقبه الثاني سنة 1981، في صورة تجسد أسمى معاني الوفاء والعطاء.

فخر الوطن في المحافل الدولية:

لم تقتصر بصمته على الملاعب الوطنية فقط، بل كان أحد أركان الجيل الذهبي الذي رفع راية المغرب عاليًا. فقد شارك في مونديال المكسيك سنة 1970، وخاض جميع مبارياته باقتدار، كما مثّل المغرب في الألعاب الأولمبية ميونيخ 1972، وكان حاضرًا في كأس أمم إفريقيا 1972.

ولعل أبرز لحظاته التاريخية كانت في مباراة إياب تصفيات كأس إفريقيا 1972 ضد الجزائر، حين سجل الهدف الثالث للمنتخب المغربي، ليقوده إلى أول تأهل قاري في تاريخه. لحظة جسدت لا فقط حسه التهديفي رغم كونه مدافعًا، بل أيضًا روحه القتالية وإيمانه بقميص الوطن.

كما قال الفيلسوف الألماني جورج فريدريك هيغل: “الحرية الحقيقية هي أن تفعل ما ينبغي، لا ما تشاء”. وقد جسّد بوجمعة بنخريف هذه المقولة حين حمل قميص المغرب، فكان يؤدي واجبه الوطني بكل تضحية، مؤمناً أن الدفاع عن الراية الوطنية شرف لا يُقدّر بثمن.

نموذج للأخلاق والالتزام:

ما جعل بوجمعة بنخريف يحتل مكانة خاصة في قلوب محبيه، ليس فقط ما قدمه من مجهودات بدنية وتقنية، بل لأنه كان لاعبًا منضبطًا، خلوقًا، يحترم خصومه، ويُحتذى به في سلوكه داخل وخارج الملعب. لم تُسجّل عليه تجاوزات، بل كان مدرسة في الأخلاق، صامتا في حضرة التباهي، ومتحدثا في زمن التواضع.

قال الفيلسوف الصيني كونفوشيوس: “الرجل النبيل يسعى للكمال في ذاته، أما الرجل العادي فيسعى للكمال في الآخرين”. وقد كان بوجمعة بنخريف بالفعل من تلك الطينة النبيلة، التي تهتم بإصلاح النفس، والعمل بصمت، وخدمة الآخرين دون انتظار المقابل.

روح المواطنة والإنسانية:

لم يكن بوجمعة بنخريف نجمًا يبحث عن الأضواء، بل كان مواطنا صالحًا، أحب مدينته القنيطرة وأخلص لها لاعبًا ومدربًا. لم يبدل قميص فريقه قط، وظل وفيًا للنادي القنيطري طيلة مسيرته، في زمن كانت فيه العروض الخارجية تغري النجوم، لكنه اختار البقاء، فكان بذلك رمزًا للثبات والإخلاص، وصورة للانتماء العميق الذي يُعلي من قيمة الإنسان ويزيد من احترامه لدى أبناء وطنه.

لقد حمل على عاتقه مسؤولية تشكيل الأجيال القادمة، فكان مدربًا يُنمي الموهبة، ويربي النفس، ويغرس حب القميص والقيم في اللاعبين الشباب. فكان بحق كما قال الزعيم السياسي الإفريقي نيلسون مانديلا: “الرياضة تملك القدرة على تغيير العالم … إنها تملك القدرة على توحيد الناس بطريقة لا يملكها شيء آخر.”

الإرث الخالد:

رحلة بوجمعة بنخريف هي أكثر من مجرد مسيرة كروية؛ إنها قصة إنسان أحب وطنه وأخلص له، لاعب لم يكن يبحث عن الشهرة بل عن البصمة، مدافع لا يكتفي بصد الهجمات بل يدافع عن القيم، ومدرب آمن أن نجاح الفريق لا يُقاس فقط بالنتائج، بل بتكوين جيل يرفع المشعل.

يظل بوجمعة بنخريف أحد الأسماء التي تُروى بكل فخر في ذاكرة كرة القدم المغربية، وسيبقى ملهمًا لكل من آمن أن الرياضة يمكن أن تكون رسالة وقيمة، قبل أن تكون لعبة ونتيجة. وكما قال الكاتب الفرنسي ألبير كامو: “ما أعرفه على وجه اليقين عن الأخلاق، تعلمته من كرة القدم.”

نعم، وبوجمعة بنخريف كان من أولئك الذين علمونا الأخلاق من خلال رياضة كرة القدم.

اعجبك المقال؟ يمكنك مشاركته من خلال منصتك المفضلة
اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد