مغربية بريس
متابعة خاصة …… معروف مطرب
من خلال حياة الدكتور توفيق لحلو، نستلهم رؤية عميقة لفهم مفهوم العطاء، الإنسانية، والمسؤولية المجتمعية، حيث يبرز في كل مرحلة من مراحل حياته نموذجا فريدا في خدمة الوطن والمجتمع. وُلد في مدينة الرباط عام 1950، تلك المدينة التي كانت، ولا تزال، تمثل قلب المملكة النابض بالحركة الثقافية، السياسية، والاجتماعية. وعبر محطات مختلفة من حياته المهنية والشخصية، أصبح الدكتور توفيق لحلو تجسيدًا للروح الوطنية التي تأسست على قيم العلم، التغيير، والإنسانية.
النشأة في الرباط: بذور الفكر والعلم
تبدأ قصة الدكتور توفيق لحلو من قلب الرباط، حيث نشأ في عائلة وطنية تحمل إرثا ثقافيا واجتماعيا عميقا. نشأت العائلة في بيئة تشجع على التمسك بالمبادئ الأساسية للتعليم والتضحية من أجل الوطن. كان والده ووالدته، رغم الظروف الصعبة التي كانت تحيط بالمجتمع في تلك الفترة، دائما يزرعان فيه حب الوطن وإيمانا عميقا بأن العلم هو السبيل الأكثر قوة لبناء مستقبل أفضل.
الرباط، كما هو الحال مع العديد من العواصم التاريخية، كانت تحمل في ثناياها تفاعلا بين الماضي والحاضر، إذ كانت المدينة تشهد محاولات مستمرة للمزج بين الأصالة والتحديث. ولعبت هذه البيئة دورا مهما في تشكيل شخصية الدكتور توفيق لحلو. لم يكن مجرد طفل نشأ في تلك المدينة، بل كان نشأ في بيئة أكاديمية تشجع على البحث المستمر في شتى المجالات. ويعكس هذا التوجه الفلسفي قول الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت: “أنا أفكر، إذن أنا موجود”، حيث كانت الأسئلة التي يطرحها دائما محفزا له للبحث المستمر.
الانتقال إلى القنيطرة: بداية الانخراط المجتمعي والمهنية
بعد إنهائه لدراساته الجامعية والتخصصات الدراسية، قرر الدكتور توفيق لحلو الانتقال إلى مدينة القنيطرة، حيث رأى في هذه المدينة الصغيرة فرصة لإحداث تغيير حقيقي في حياة الناس. لم يكن انتقاله إلى القنيطرة مجرد خطوة مهنية، بل كان بمثابة بداية مرحلة جديدة من العطاء والتأثير في المجتمع.
في القنيطرة، قرر الدكتور توفيق لحلو أن يفتح صيدلية، وهي خطوة كانت تمثل أكثر من مجرد عمل مهني. فقد عمل على تأسيس هذه الصيدلية كمشروع اجتماعي يعكس اهتمامه العميق بالخدمة المجتمعية. لم تكن صيدليته مجرد مكان يتم فيه بيع الأدوية، بل كانت مركزا للرعاية والاهتمام الإنساني. كان يولي أهمية بالغة للاستماع إلى المرضى وتقديم النصائح الطبية والاجتماعية التي تتجاوز الأدوية. هذه الفلسفة الطبية التي اعتمدها لم تقتصر على تقديم العلاج فحسب، بل كانت أيضا تهتم بالجانب النفسي والروحي للمرضى. كان يرى أن العلاج الحقيقي يتجاوز الأدوية ليشمل تقديم الأمل والدعم النفسي للمرضى.
التزامه الاجتماعي والخيري: جمعية الكرامة لذوي الاحتياجات الخاصة
لم يكن الدكتور توفيق لحلو يعتبر عمله في الصيدلية سوى جزء من مسؤولياته المهنية، بل كان يراه جزءا من التزامه الأوسع تجاه المجتمع. فمن خلال تفكيره العميق حول دور الطبيب والصيدلي في المجتمع، بدأ يسعى لابتكار أساليب جديدة لتحسين حياة المواطنين بشكل شامل. فأسس جمعية الكرامة لذوي الاحتياجات الخاصة في القنيطرة، وهو مشروع اجتماعي يهدف إلى تحسين حياة هذه الفئة من الأشخاص. كانت هذه الجمعية بمثابة نقطة انطلاق جديدة لتطبيق مفهوم التكامل الاجتماعي بشكل عملي.
تُعد جمعية الكرامة لذوي الاحتياجات الخاصة أكثر من مجرد مرفق خدماتي، فقد كانت تمثل فكرة راسخة في ذهن الدكتور توفيق لحلو بأن المجتمع لا يمكن أن يتقدم إلا من خلال الاهتمام بكل فرد فيه، خاصة الفئات الأكثر هشاشة. كانت الجمعية تعمل على توفير الفرص للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة للعيش حياة كريمة، وهو ما يعكس التزامه العميق بمفهوم العدالة الاجتماعية.
دوره الثقافي: مهرجان تاموسيدا
لم يتوقف الدكتور توفيق لحلو عند العمل الاجتماعي فحسب، بل كان له أيضا دور كبير في تعزيز الثقافة المحلية في القنيطرة. فقد شارك في العديد من الأنشطة الثقافية والفنية التي كانت تهدف إلى إحياء التراث الثقافي المغربي وتعزيزه. ومن بين أبرز مبادراته الثقافية كان تأسيس مهرجان تاموسيدا، الذي أصبح أحد أكبر الفعاليات الثقافية في المدينة.
كان مهرجان تاموسيدا منصة للمثقفين والفنانين من جميع المجالات ليعرضوا أعمالهم في جو من الحرية الفكرية والتعبير الفني. كما كان المهرجان يسلط الضوء على الهوية المغربية في ظل التحديات المعاصرة، ويعمل على خلق مساحة للتبادل الثقافي بين مختلف الفئات الاجتماعية والفكرية. من خلال هذا المهرجان، كان الدكتور توفيق لحلو يسعى إلى تعميق فهم المواطنين للثقافة المغربية وتحفيزهم على التفكير النقدي والإبداع.
الأثر المستدام: أسطورة حية
اليوم، يمثل اسم الدكتور توفيق لحلو أكثر من مجرد اسم شخصي؛ إنه رمز من رموز الإنسانية والإنجاز الاجتماعي في القنيطرة وفي المغرب بشكل عام. كونع شخصا كرّس حياته ليس فقط لتحقيق النجاح الشخصي، بل لتحقيق تأثير حقيقي في مجتمعه، وجعل من العطاء والتفاني أسلوب حياة.
كما قال الزعيم السياسي الأمريكي مارتن لوثر كينغ: “ليس هناك شيء أسمى من العطاء، فالعطاء هو الذي يجعلنا نعيش حياة تستحق العيش”. هذه الكلمات يمكن أن تلخص حياة الدكتور توفيق لحلو، الذي لا يُنظر إليه فقط كصيدلي أو طبيب، بل كإنسان استثمر حياته في خدمة الآخرين، مؤمنًا بأن العطاء ليس مجرد فعل بل هو أساس للحياة الكريمة.
لقد كان الدكتور توفيق لحلو تجسيدا حيا لفكرة أن الإنسان لا يُقاس بمكان ولادته، بل بما يقدمه للبشرية من خلال الأفعال التي تحدث تغييرا إيجابيا في العالم من حوله. وحين نتذكره، لا نتحدث عن رجل واحد، بل عن أسطورة حية تركت بصماتها في كل زاوية من زوايا المجتمع.
فاللهم اجعل ذكره بين الناس ذكرا طيبا، واجعل أعماله التي أداها في خدمة الآخرين، في ميزان حسناته يوم القيامة.
اللهم اسقه من كأسك الذي لا يظمأ بعده أبدا، واجعل عطاءه مصدرا للبركة في الحياة الدنيا والآخرة.
اللهم ارزقه الفردوس الأعلى من الجنة، وألهمنا أن نكون من الذين يعطون بلا انتظار، من الذين يجعلون الحياة أجمل من خلال تقديم الخير. واجعلنا من الذين يبذرون الحب في كل مكان، كما زرع هذا الرجل بذور الأمل والتغيير في كل مكان مر به.