(التفاهة في زمن الكورونا. من المستفيد، ومن المسؤول؟ )

مغربية بريس

ذ. محمد زريوح

 

في خضم أزمة غير مسبوقة، – من حيث شموليتها ونوعيتها
وصداها-حلت بنا وبالعالم أكمله، جائحة كبرى وبلية عظمى، ما اقتضى واستوجب معها تظافر الجهود كل من موقعه للإسهام في تقليص حدة وقعتها على نفوس الناس، وهذا ما دأب عليه المغاربة عند الشدائد والأزمات ،فتجدهم متحدين متعاونين متآزرين تاركين وراءهم كل الخلافات، لأنهم يعلمون أن هذا الوقت هو ليس وقت الانتقاد ،وتوجيه السهام إلى أصحابها ،وإنما هو وقت العمل، والإجتهاد، والتضامن. وهذا فيه نوع من الذكاء والدهاء مايجعلهم مركزين جهودهم نحو ما يواجههم لتجاوزه، وتحقيق الهدف والمبتغى من تخطي هذه الجائحة بسلام نحو شاطئ الأمان ،وبأقل الأضرار، ما أمكن إلى ذلك سبيلا. والتاريخ يشهد لهم بذلك ،كونهم استطاعوا أن يجتازوا كل الإمتحانات التي سبق وأن امتحنوا فيها بنجاح.

إنني تعمدت إيراد هذه المقدمة لتذكير بعض الذين يمثلون الإستثناء – غير ذلك الإستثناء- ممن حادوا على هذا النهج الأصيل الضارب في التاريخ ، مغردين لوحدهم خارج السرب، عن نية وقصد قصيد، لتحقيق أغراض دنيئة – مع الأسف-أولها : لإثبات ذواتهم لمن يشككون في ماهية وجودهم في تلك المواقع التي يشغلونها.
وثانيها : لرد الإعتبار لهم، ولصورتهم التي خدشت، بل خدشتها الأحداث والوقائع المتسارعة التي جلبتها معها جائحة كورونا، مما عرت مجموعة من الحقائق هم جزء منها،إذ لم يسلموا من الكشف والتعرية وسقوط الأسترة والقناعات. وهذا الأمر قد أقلقهم، وأرعبهم كثيرا خوفا من فقدان مكانتهم الهشة، والمصطنعة، والجاثمة قصرا على عقول شريحة من المجتمع البسيط المغلوب على أمره، والمتلاعب بمصيره – مع الأسف الشديد- مراهنين في ذلك على أميته وجهله.

لم يكن أحد من أولئك المقصودين، الذين أسيمهم بمرتزقة الإعلام و سماسرة الصحافة المغشوشة أن يحدث في يوم ما، ما يحدث لهم الآن، بحيث لم يعد أحد مغترا بهم. بل اكتشف أمرهم، وافتضح زيف المنتوجات الإعلامية السخيفة التي أدت وساهمت بشكل فظيع إلى هذا المستوى المتهاوي من النضج والفكر، والعقل الجمعي لدى الناس . والذي يؤكد هذا هو مدى الصعوبة التي تجدها الدولة اليوم بكل أجهزتها، والتي من بينها الإعلام في إقناع المجتمع بالالتزام بالحجر الصحي، وبالتعليمات التي تصدرها الجهات المختصة.

وثالث الأغراض التي يرومون تحقيقها، ويسارعون الزمن من أجلها، هي حفظ ماء وجهم الذي تلوث واتسخ في غفلة منهم، ومن حيث لا يشعرون، مما جعلهم يفكرون في الطريقة التي من خلالها يرجعون بها إلى المجتمع بوجه جديد. ويا ليت فعلا أصابوا الطريق الصحيح ،بل أخطأوا الوجهة وزادوا الطين بلة – كما يقال-مما جر عليهم سخط شعبي،وغضب عارم،لأنه لم يعد بمقدروهم التحايل واللف والدوران على الحقائق والأخبار، كما كانوا من قبل، يستغلون الناس ويكذبون عليهم، بالزيادة والنقصان..

ونحن مركزين كل طاقاتنا نحو هذه الأزمة الصحية لتجاوزها إذ بنا نتفاجأ يطلع علينا أحدهم يسمى – مومو- وفعلا هو مومو إسم على مسمى، والذي يعني في العامية (البز) أي الطفل الذي لا يحسن التصرف. طلع علينا ينعق نعقا، لكن في نظره ظن نفسه اكتشف شيئا ثمينا ذا قيمة، تعرف ذلك من خلال طريقة كلامه قبل أن يصدمنا بعدما اعتقدنا أنه يحمل في جعبته جديدا ما، من شأنه أن يخفف على الأقل من وطأة هذا الفيروس. لكن كانت المفاجأة عندما أفصح عن اكتشافه، واختراعه غير المسبوق(-هه-) بحيث أصبحت الملكية الفكرية وبراءة الإختراع تحمل اسمه!

ظهر وهو يعرض شريط فيديو نسبه إلى إحدى المعلمات تقرأ نصا بالفرنسية وهو يضحك ويستهزء ويتهكم على طريقة نطقها، في مشهد مخز، وحقير، كخزي وحقارة من فكر ودبر فنفذ وشارك في هذه اللعبة السخيفة كسخافة أصحابها. كل هذا من أجل تحقير رجل التعليم  وتكريس الصورة النمطية التي مافتئ المغرضون الحاقدون المدفوعون لتكريسها في أوساط مجتمعنا المدعومون بالإعلام المأجور، والصحافة المسترزقة.
لم تكفهم عقود من الزمن من التخريب ونشر التفاهة والميوعة، ولم تردعهم الظروف الصعبة التي يمر منها المجتمع، وهذا إن دل على شيئ فإنما يدل على أنهم لاينتمون إلى هذا الجسم المجتمعي، وإن ادعوا ذلك، حتى وإن أقسموا بأغلظ الأيمان.
لم يمنعهم كل هذا، بل دفعتهم خساءتهم ووقاحتهم بأن استغلوا جائحة كورونا ليركبوا عليها ولإعادة البريق الزائف المفقود لهم، فصاروا هم الفيروس الذي نعاني منه وصارت كورونا أرحم منهم بنا.

إن مثل هذه السلوكات الرعناء التي تفوح منها رائحة الكراهية والحقد الدفين المخبوء لا لشيء سوى أن التعليم والعلم والمعرفة قاطرة التنمية  والتقدم، وأن المعلمين والأساتذة ينيرون دروب الجهل والأمية…وهذا طبعا لايعجبهم ،بل يقض مضجعهم لأنهم يعلمون أنه لا مكان لهم ولأمثالهم في مجتمع مثقف وواع يعلم ما له وما عليه إذ ذاك سيضعون الرجل المناسب في المكان المناسب. فاستمراهم رهين بعدم بزوغ وشيوع العلم ووصوله إلى كل شرائح المجتمع. حتى يبقوا دائما مسيطرين متحكمين في توجيهه إلى مايرضونه ويرونه يخدم مصالحهم من الإستغلال، والنهب، والإسترزاق، والإغتناء السريع.. وهم في ذلك يقدمون عملا جليلا لأسيادهم الذين نصبوهم في غفلة من الجميع، وبتواطئ مفضوح مع أعداء النجاح، والتقدم، والازدهار، والانعتاق من العبودية والتبعية نحو الاستقلال والحرية. فهل مثل هؤلاء يحبون وطنهم؟
إن الذي يسيء إلى أسرة التربية والتعليم يعتقد أنه يسيء إلى أشخاص معينين وهو في الحقيقة يسيء إلى المدرسة التي علمته القراءة والكتابة. يحضرني هنا قول الشاعر لأنه أنسب لهذا المعنى. علمته رمي الرماح# فلما اشتد عوده رماني.
ولأن التعليم  مهنة وصفة ونعت، فأنت حينما تهزأ بمن اتصف بها، فإنك تهزأ بنظام وجهاز ضخم وكبير، بل بمنظومة بأكملها، وليس بشخص محدد بعينه وإن كان يبدو لك كذلك!
ألم يروا بأن العالم اليوم انقسم إلى قسمين : قسم يعمل ليل نهار في المختبرات العلمية، والمراكز البحثية، لإيجاد اللقاح، وإنقاذ البشرية، وقسم آخر ينتظر قدره المحتوم . ولا أدل على قيمة العلوم من هذا الوضع الذليل البئيس بحيث تصبح حياة دول وشعوب بأكملها متوقفة على غيرها.
إن الفرق الذي أحدث الفارق هو العلم وحده!
فكفانا من ممارسة العنف الرمزي والإجتماعي والإقتصادي في حق أشرف وأنبل مهنة في الكون.

لا أجد تفسيرا لمن يفعل هذا غير أنه مريض مرضا نفسيا معقدا، يصعب مداواته ومعالجته، حالته تستدعي الشفقة، لا غير!
كيف تجرأ على أن تهاجم من علمك نطق الحرف، وكتابة السطر، وأخرجك من ظلمات الجهل إلى نور العلم.. ألم تستحي، لقد صدق من قال: إذا لم تستحي فاصنع ماشئت. وقد جاء في الأثر المعروف، من علمني حرفا صرت له عبدا. وكاد المعلم أن يكون رسولا…
ولن أطيل في سرد وبيان أهمية التعليم في تقدم الشعوب والمجتمعات، لأنها لم تعد في حاجة لمن يشرحها، بل حالة الشعوب تغني عن الجواب! لكن سأقتصر على إيراد مقولة مشهورة لرئيسة ألمانيا حينما سئلت عن سر إهتمام دولتها بالتربية والتعليم، فأجابت بكل بساطة، لأن تكلفة الجهل غالية جدا.! وفعلا ما وصلنا إليه اليوم، ليس فقط تكلفة غالية، بل باهضة، أو بالأحرى لا تقدم بثمن!

إننا اليوم – وفي هذه اللحظة التاريخية المفصلية – أمام خيارين إما أن نشق طريق المعرفة ، وتشجيع البحث العلمي حتى نتقدم ونتطور، ونلحق بالركب الحضاري، ولما لا التفوق، أو بالأحرى التفرد في نموذجنا المنشود، لأن النموذج الحضاري الموجود حاليا معطوب يحتاج إلى التقويم والتصحيح لاستئناف الحياة المرجوة المبحوث عنها منذ زمن طويل، بل طال انتظارها. وإما أن نواصل في نفس الطريق الذي أوصلنا إلى ما أوصلنا إليه؟

إن كنا نريد فعلا الطريق الأول، فعلينا أن نقطع مع التشبث بغيرنا  في جميع تمظهراته خاصة الثقافية  – الذي لو كان نافعا لنفع نفسه في هذه الظرفية التي اختبرته فكشفت هشاشته – وأن نعول بعد الله على أنفسنا، ونؤمن بمقوماتنا، وندعم طاقاتنا ونعيد ترتيب أولوياتنا على نسق جديد تنتظم فيه الضروريات، والحاجيات، ثم التحسينيات، أي كل ماله صلة بما هو ترفيهي ثانوي بحيث الإستغناء عنه لايشكل أي خلل أو تعطيل على سير الحياة الطبيعية على المجتمع.
أما إن كنا نريد غير ذلك، ومن يدري؟ يجب أن نكون صرحاء ونملك الشجاعة الكافية مع أنفسنا، لنجيب عن ماذا نريد؟؟؟ غير هذا، فإنه يعني أن التفاهة وسياسة الإلهام مؤسسة ومؤطرة ومحمية. فمن المسؤول عنها إذن؟
أترك لكم الإجابة، وأملنا أن نكون موفقين في اختياراتنا، ونقول لمن هم في الهامش كفاية، كفاية، كفاية، فقد أنهكتم هذا الوطن. ومن لم تكن كورونا موقظة له فمن تكون إذن هذه؟ حتى يستفيق هؤلاء… ؟!

اعجبك المقال؟ يمكنك مشاركته من خلال منصتك المفضلة
اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد