مغربية بريس سبور
متابعة خاصة………..قسم الرياضة
في قلوب الذين يعرفون التحدي والاصرار، وفي أعماق الذين آمنوا بأن الرياضة ليست مجرد حركة بدنية، بل هي فلسفة حياة، يبقى اسم المدرب محمد الصويفي محفورًا بحروف من ذهب. كان هذا الرجل القنيطري أكثر من مجرد مدرب؛ كان رمزًا للصبر، وفن الملاكمة، وقصة الكفاح المستمر التي ترويها يداه وعينيه اللتان شهدتا سنوات من التضحيات، والأحلام المؤجلة. وتمامًا كما قال الكاتب الفرنسي ألبير كامو: “الحياة ليست مشكلة يجب حلها، بل هي حقيقة يجب أن تعاش”. لعل محمد الصويفي عاش هذه الحقيقة بكل تفاصيلها، حيث كانت رياضة الملاكمة بالنسبة له أكثر من مجرد فوز وهزيمة، بل كانت كفاحًا لا ينتهي من أجل المبادئ والقيم.
بدأ المدرب محمد الصويفي رحلته في عالم الملاكمة في سن مبكرة، وهو يخطو على درب مليء بالصعاب والآمال. لم يكن ملاكمًا عاديًا، بل كان شابًا متوقدًا بالشغف والطموح. منذ أن قرر أن يسلك هذا المسار، أصبح يعي أن الحياة في الملاكمة ليست نزهة، بل هي معركة مع الذات قبل أن تكون مع الخصم. ولعل هذه الفكرة هي ما جعلته يتفوق على أقرانه، حيث توقع الجميع له مستقبلًا زاهرًا في رياضة الملاكمة. كما قال الملاكم الأمريكي الشهير مايك تايسون: “الجميع لديه خطة حتى يتعرض للكمة في الوجه”. وبالفعل، تعرض محمد للعديد من اللكمات الحياتية، لكنه كان دائمًا يجد السبيل للوقوف مجددًا والمضي قدمًا.
لم يكن الطريق إلى النجاح مفروشًا بالورود. شاءت الأقدار أن يهاجر محمد الصويفي إلى فرنسا، حيث كانت هذه الرحلة أكثر من مجرد سعي وراء النجاح الرياضي. كانت رحلة من الألم، من العيش بين القسوة والفرص الضئيلة. كافح من أجل تأمين رزقه، لم تكن هناك رفاهية في حياته الجديدة، بل كانت معركة مستمرة ليثبت ذاته في بلد لا يعرفه، وسط ظروف لا ترحم. لكنه لم يتخلَّ عن شغفه. ظل الملاكمة تتنفس في قلبه، وكأنها كانت الأمل الوحيد في عالمه القاسي. ومع كل لحظة من معاناته، كان يتذكر قول الملاكم الأسطوري محمد علي كلاي: “الأبطال لا يصنعون في الصالات الرياضية. الأبطال يصنعون من شيء عميق داخلهم، وهو الإرادة، والرغبة، والحلم.”
ابتسم له الحظ عندما حصل على فرصة للعمل كمدرب في إحدى القاعات الرياضية بفرنسا. كانت هذه الفرصة بمثابة بداية جديدة، ومفتاحًا لعالم كان يبدو بعيدًا عنه. كانت الأفق تتسع أمامه، وكان بإمكانه أن يصبح نجمًا رياضيًا في عالم الملاكمة، لكن كما هو الحال في معظم القصص العميقة، ارتبطت حياته برابط إنساني أقوى من حلمه الشخصي: أمه. فبينما كانت فرصته تزداد لتكون أسطورة رياضية، كان قلبه مشدودًا إلى أرض الوطن، إلى الأم التي كانت تحتاج إليه. وقد قال الأديب الفرنسي فيكتور هوغو: “الأم هي المستقبل الوحيد الذي لا يعوض”. وفي تلك اللحظة، أصبح مستقبل محمد الصويفي الرياضي محصورًا بين واجبه تجاه أسرته وحلمه الشخصي الذي كان قريبًا من التحقيق.
عاد محمد الصويفي إلى القنيطرة، وأصبح المدرب الذي يلهم الأجيال الجديدة من الملاكمين. براعته التقنية وحبه لملاكمة، وتفانيه في تربية الشباب على مبادئ الرياضة الحقة، جعلته قدوة لكل من كان يحلم بالوصول إلى النجاح. ومن هنا بدأت قصة نجاحه كمدرب رياضي في دار الشباب رحال المسكيني، حيث أخذ على عاتقه مهمة تعليم الشباب ليس فقط فنون الملاكمة، بل أيضًا المبادئ الأخلاقية التي أسس عليها حياته. كان يقول لهم دائمًا: “الملاكمة ليست عن الضربات القوية، بل عن الصمود في وجه التحديات.”
استطاع المدرب محمد الصويفي أن يشرف على تدريب أبطال أصبحوا نجومًا في سماء الرياضة العالمية، مثلما قال الملاكم الأسطوري أوسكار دي لا هويا: “الفرق بين البطل والشخص العادي هو أن البطل لا يرفض أبدًا التحدي.” هؤلاء الذين تربوا على يديه أصبحوا ليس فقط ملاكمين متميزين، بل مدربين في حد ذاتهم، يحملون روحه وأخلاقياته في كل تدريب، وفي كل قاعة رياضية.
لقد ترك محمد الصويفي إرثًا رياضيًا لا يمكن الاستهانة به، فقد كان أكثر من مجرد مدرب، كان معلمًا حكيمًا، وكان يزرع في قلوب طلابه حب الرياضة، وحب الوطن، والمثابرة في السعي وراء الأفضل. ومن خلاله تعلموا أن النجاح لا يأتي بسهولة، ولكن بالصبر والعمل الجاد.
توفي محمد الصويفي، لكنه ترك خلفه إرثًا عظيمًا، ليس فقط من الأبطال الذين صنعهم، ولكن من المبادئ والقيم التي غرسها في نفوس كل من مرَّ بقاعاته الرياضية. كما قال الكاتب الفرنسي ألبير كامو: “ما من شيء أكثر أهمية من أن تصبح الشخص الذي كنت قادرًا أن تكونه”. هذا هو محمد الصويفي، الشخص الذي عاش كما أراد، وأعطى كما كان يجب، وألهم الأجيال لتحقيق ما لم يكن يعتقدون أنه ممكن.
إرثه سيظل حيًا في الملاكمة المغربية، في كل خطوة يخطوها أبطاله، وفي كل درب يسلكه من تربوا على يديه.