محمد الطوبي: شاعر أضاء درب الأدب العربي بكلمات مشعة

مغربية بريس 

متابعة خاصة ……..قسم الأخبار 

 

في مدينة القنيطرة، حيث تجتمع أصداء البحر بأحلام البر، وُلد محمد الطوبي في سنة 1955م. كانت حياته، كما في كثير من الأحيان، نقطة انطلاق لأغنية شعرية لم تنتهِ أبدًا. من تلك اللحظة التي فتح فيها عينيه على الحياة، كان طوبي يراها من زاوية مختلفة. بدأ رحلته في الشعر باكرًا، وكان يترجم تفاصيل عالمه الداخلي إلى كلمات، تعكس تفاعلاته مع محيطه بكل صدق وشفافية. وعندما نتأمل مسار هذا الشاعر العظيم، يمكننا أن نتذكر قول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه: “الشعر هو الطريق الوحيد للوصول إلى الحقيقة، إنه محرك كل التغيير”. كان محمد الطوبي هو هذا المحرك الذي دفع بكلماته الأمل، الحزن، الرفض، والتحدي.

أدرك محمد الطوبي في بداياته أن الشعر ليس مجرد أداة تعبير، بل هو مفتاح لفهم العالم وتحويله. ومع مرور السنوات، أصبحت قصائده مصدر إلهام لقرائه في المغرب والعالم العربي. كانت كلمات الطوبي تصل إلى الصحف والمجلات في بيروت، ودمشق، والرياض، وباريس، وغيرها من المدن، كما كان له حضور قوي في الملتقيات الشعرية التي كانت تلتقي فيها أقلام الشعراء من جميع أنحاء العالم. تلك الحضور لم تكن مجرد مشاركات أدبية، بل كانت احتفاء بالروح الإنسانية التي تتوق إلى فهم أعمق للوجود.

دواوينه مثل “سيدة التطريز بالياقوت”، و”أيقونة العاشق المغربي”، و”غواية الأكاسيا”، كلها كانت تحمل أصداء من العالمين الداخلي والخارجي للطوبي. كان ينقل فيها تجاربه الشخصية وعواطفه المشتعلة، وجعل من شعره نافذة لعصره، ليكتشف فيه القارئ عوالم من الفرح والحزن، من الألم والتفاؤل، حتى غدت قصائده مرآة للإنسان الذي يسعى دومًا لتجاوز حدود الزمان والمكان. “الشعر هو سيرة الإنسان مع نفسه ومع العالم”، كما يقول الشاعر والكاتب الأمريكي توماس وولف، وهذا ما كان عليه شعر الطوبي؛ سيرة مستمرة لا تقتصر على كونه مجرد كلمات مكتوبة، بل كان حكاية حياة.

 

ومع تزايد انتشاره، أُعيدت ترجمة بعض قصائده إلى الإسبانية، وهو ما يدل على عمق تأثيره. لقد استطاع أن يعبر عن تجربة الإنسان العربي المعاصر في ظل التحديات التي يواجهها، فلم يكن شعره مجرد مزج للكلمات، بل كان بمثابة بث روح جديدة في عروق المجتمع العربي. كان، كما يقول الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو: “الشعر هو الانفجار الداخلي للواقع، الذي يفتح أبوابًا لم يكن أحد يجرؤ على اقتحامها.”

إلى جانب الشعر، كان محمد الطوبي مخلصا للحقيقة والعدالة، وكان يشاهد تحولات المجتمع بعين ناقدة، مشيرة إلى الواقع بما فيه من أمل وألم. كانت دواوينه مثل “قمر الأندلس الأخير” و”ملك الصعاليك الجميل”، تُظهِر سعيه المستمر لفهم الحياة في كل تفاصيلها. كما كان يكتب عن الحب، الذي وصفه الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو بأنه “التمرد الوحيد الذي يبقى في عالم مغلق”. كان حب محمد الطوبي ليس فقط حبا شخصيا، بل حبا للعالم، للإنسانية، وللأمل في التغيير.

ومع رحيله في 7 يناير 2004م، ترك محمد الطوبي وراءه إرثا شعريا ثقيلا، ليس فقط في الشعر المغربي، بل في الشعر العربي المعاصر بشكل عام. فقد كان الشاعر الذي عاشت كلماته فينا، كما يقول الكاتب الأمريكي إرنست همنغواي: “كلما غادر الكاتب الحياة، فإن كلماته تبقى تتردد، لا يمحوها الزمن” والطوبي، برغم رحيله، كانت كلماته تعيش بيننا، نقرأها، نتأملها، نستمتع بها، بل نعيدها إلى الحياة مع كل قراءة جديدة.

إن محمد الطوبي لم يكن مجرد شاعر مغربي، بل كان صوتا شعريا يتنفس الهوى العربي، يتأمل فيه المآسي والأفراح، وينبض في كل كلمة بمعانٍ أعمق. في أشعاره، نجد الشعر مرآة حقيقية للروح الإنسانية، كما قال الشاعر الإنجليزي ويليام بتلر ييتس: “الشعر هو لحظة الرؤية التي تفتح لنا أبواب الحقيقة”. وتلك هي الحقيقة التي كشف عنها محمد الطوبي في كلماته، بكل ما تحمله من عمق وجدانية ورؤية دقيقة للعالم.

رحم الله الشاعر محمد الطوبي، الذي رحل عن عالمنا في 7 يناير 2004م، تاركا وراءه إرثا شعريا خالدا. لقد كان شاعرا جسّد في كلماته طموحات وأوجاع وتطلعات شعبه، ليبقى شعره بمثابة جسرٍ بين الزمان والمكان، بين الأمل والواقع. في قصائده، مزج بين الحلم والحقيقة، وسعى جاهدا لإضاءة دروب الوعي في عصره.

لقد غادرنا جسد الشاعر محمد الطوبي، لكن كلماته تظل حية في قلوب محبيه وعشاق شعره. “الشعر لا يموت” كما قال الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، والشاعر محمد الطوبي هو مثال حي على ذلك. رغم غيابه، تظل كلماته تُشع في أفق الأدب العربي، تبعث الحياة في الكلمات التي كانت تخرج من قلبه صادقة، عميقة، تنبض بحب الوطن والإنسان. فاللهم ارحمه رحمة واسعة، واغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأسكنه فسيح جناتك.

إن الشاعر الذي رسم بالكلمات جمال الحياة وألمها، سيظل في ذاكرة الأدب العربي، يُخلّد في كل حرف كتبه.

اعجبك المقال؟ يمكنك مشاركته من خلال منصتك المفضلة
اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد