محمد سوسان: إسهامات فنية وثقافية تعكس ملامح القنيطرة

مغربية بريس

متابعة خاصة …    معروف مطرب

 

محمد سوسان، الكاتب، والفنان، والمربي، هو أحد الأسماء اللامعة التي أضاءت الساحة الثقافية في المغرب منذ عقود. وُلد سوسان في مدينة القنيطرة يوم 13 أغسطس 1944، في منزل أنيق ذي طراز أندلسي يتوسطه صحن مكشوف ونافورة رخامية، في شارع 28، والذي أصبح اليوم يحمل اسم رحال المسكيني. هذا البيت الذي شهد طفولته كان يقع في حي تجاري نابض بالحياة، عرفه الصغار والكبار بأجوائه الهادئة وروح التعاون الذي كان يسود بين أهل المنطقة.

منذ سنواته الأولى، أثرت بيئته التعليمية والاجتماعية في تكوين شخصيته الأدبية والفكرية. فقبل أن يدخل المدرسة، كان قد بدأ تعليمه في “كتّاب” مسجد الطائفة التيجانية القريب من منزله، حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ شيئًا من القرآن الكريم. وكان إمام المسجد صديقًا لوالده، مما سهل له استمراره في هذا المسار التعليمي الباكر.

التعليم والتكوين الأكاديمي

لما بلغ محمد سوسان السادسة من عمره، ألحقه والده، الذي كان ناشطًا في الحركة الوطنية، بمدرسة التقدم الوطنية، حيث تلقى دراسته تحت إشراف الأستاذ سي أحمد أوعابد، أحد أبرز رجال الحركة الوطنية. ثم أكمل دراسته في معهد جمهورية مصر العربية بالرباط، حيث نال شهادة الثانوية العامة العلمية. في تلك الفترة، بدأ يبرز نجم محمد سوسان في مجال الأدب، حيث نشر العديد من القصص والمسرحيات القصيرة في مجلات وملاحق ثقافية مغربية بارزة، مثل “أقلام”، “آفاق”، و”المحرر”، مما مهد له الطريق للتركيز على الكتابة الأدبية بشكل جاد.

كما فاز بالجائزة الثانية في مباراة وطنية للتأليف المسرحي، وكان لهذا الفوز أثر كبير في عزمه على مواصلة الكتابة للمسرح، ليشارك بعد ذلك في مهرجان أفينيون للمسرح بفرنسا في سنة 1965. بعد هذا، التحق محمد سوسان بجامعة محمد الخامس، حيث تخصص في العلوم السياسية، إلا أنه قرر فجأة مغادرة المغرب والالتحاق ببلجيكا في خطوة كانت لها تأثيرات كبيرة على مسيرته المهنية والإبداعية.

النشاط الجمعوي والعمل الثقافي

على الرغم من رحيله إلى بلجيكا، إلا أن نشاطه الجمعوي والثقافي لم يتوقف. فقد انخرط في العديد من الجمعيات الثقافية والتربوية، من أبرزها “جماعة إبداع” التي اهتمت بثقافة الطفل، و”جمعية البحث من أجل تنمية القنيطرة”، بالإضافة إلى عضويته في العديد من الجمعيات التي تسعى لتعزيز العمل المدني والفني في المنطقة. كما تم انتخابه ثلاث مرات ككاتب عام لفرع اتحاد كتاب المغرب بالقنيطرة.

وواصل محمد سوسان عمله في الحقل الثقافي، حيث ترأس جمعية مهرجان القنيطرة وكان نائب رئيسها، بالإضافة إلى تأسيسه “خلية اللقلاق” بمؤسسة بلزاك بالقنيطرة، التي كانت تهتم بالأنشطة الثقافية والإبداعية في المنطقة.

الإبداع الأدبي والفني

الإبداع هو المجال الذي سطع فيه اسم محمد سوسان بشكل ملحوظ. بدأ كتابة القصص والمسرحيات في سن مبكرة، وكانت أولى أعماله منشورة في المجلات الحائطية أثناء دراسته في الثانوية. وعمره لم يتجاوز الخامسة عشر، نشر أولى رسومه الكاريكاتورية في مجلة “المشاهد”، ليتواصل بعد ذلك نشر أعماله الأدبية في العديد من الصحف والمجلات المغربية. كما أسس مجلة أدبية فنية تحمل اسم “أصوات”، التي طبعت بنظام الستانسيل، ونشرت منها خمسة أعداد.

من أبرز إنجازاته الأدبية مسرحيته “الانتفاضة”، التي فازت بالجائزة الثانية في مسابقة وطنية للتأليف المسرحي، وكان له دور كبير في نشر الأعمال المسرحية المغربية، حيث استمر في هذا المجال طوال سنواته الإبداعية. كما نال اهتمامًا خاصًا بالتراث الثقافي والتاريخي، فقد أصدر العديد من الأعمال التي تروي تاريخ مدينة القنيطرة وذكرياتها من خلال لوحات ورسومات، مثل كتابه “بنايات وفضاءات من ذاكرة القنيطرة” الذي ضم أكثر من 350 رسما.

الإصدارات الأدبية والموجهة للأطفال

تعد أعمال محمد سوسان من الإصدارات الأدبية الموجهة للأطفال من أبرز إنجازاته، حيث أصدر العديد من الروايات والقصص التي تتراوح بين الأدب الفكاهي والقصصي. ومن بين مؤلفاته المعروفة في هذا المجال، رواية “المهاجر الصغير” و”ولد الأعرج”، إلى جانب العديد من القصص القصيرة التي أسهمت في نشر الوعي الثقافي بين الأطفال. كما كتب قصصًا أخرى ذات طابع تعليمي مثل “حكايات عربية” و”رشيد حمامة وحماره سلامة”، التي لاقت إعجابًا كبيرًا في الوسط الأدبي.

دور محمد سوسان في تعزيز الثقافة المغربية

من خلال مسيرته التعليمية والجمعوية، استطاع محمد سوسان أن يساهم في تعزيز الثقافة المغربية ونشر الأدب والفن في كل من المغرب وبلجيكا، ليترك بصمة واضحة في المشهد الثقافي المحلي والدولي. كان دائمًا يسعى إلى دمج الفن والأدب مع التوعية الثقافية، متفاعلًا مع المجتمع المدني والمبادرات الثقافية.

محمد سوسان، بفضل موهبته المتعددة في الكتابة والفن والعمل الجمعوي، يمثل أحد الأعمدة الثقافية التي ساهمت في بناء الحركة الثقافية المغربية في فترة حاسمة من التاريخ المعاصر. من خلال أعماله الأدبية والفنية، ومن خلال إيمانه العميق بأهمية الثقافة في تشكيل الهوية الوطنية، سيظل سوسان رمزًا للإبداع والمثابرة في عالم الأدب والفن.
بقلم الكاتب والشاعر: معروف مطرب

اعجبك المقال؟ يمكنك مشاركته من خلال منصتك المفضلة
اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد