مغربية بريس سبور
متابعة خاصة …….قسم الرياضة
في زوايا التاريخ الرياضي المغربي، حيث تنام الأسماء على رفوف الذاكرة، ثمة شخصيات لا ينبغي أن تُترك للغبار أو تُطوى بين صفحات النسيان. البطل الرياضي في مجال رياضة الجمباز “إدريس بلحاج” ليس مجرد بطل عبر من هنا، ولا مجرد اسم يتردد بين أروقة النوادي الرياضية، بل هو قصة نُسجت خيوطها بالصبر والعرق والإصرار، في زمن كان التفوق فيه أشبه بمعجزة.
في أحد أزقة القنيطرة، المدينة التي حملها في قلبه أكثر مما حملته في ذاكرتها، نشأ البطل الرياضي “إدريس بلحاج” طفلًا مفتونًا بالحركة، بالجسد الذي يمكن أن يتحول إلى لغة، بالقفزات التي يمكن أن تصبح طيرانًا. لم يكن الجمباز مجرد رياضة له، بل كان وسيلة لتحدي قوانين الجاذبية، طريقة لإثبات أن الإنسان، مهما كانت بيئته بسيطة، يمكنه أن يصنع من ذاته تحفة بديعة.
عندما تتحول العزيمة إلى ذهب:
يقول الفيلسوف اليوناني أرسطو: “نحن ما نكرره باستمرار، لذلك فإن التميز ليس فعلًا، بل عادة”. وكان البطل الرياضي “إدريس بلحاج” مثالًا حيًا لهذه المقولة. منذ أن وضع قدميه على بساط الجمباز، لم يكن حلمه أن يكون مجرد لاعب جيد، بل أراد أن يكون الأفضل، أن يكون اسمًا لا يُنسى.
ما بين عامي 1969 و1985، كان سيد البساط بلا منازع، متوجًا بلقب بطل المغرب اثنتي عشرة مرة، وكأنه يضع توقيعه الذهبي عامًا بعد عام. لم يكن انتصاره مجرد انتصار شخصي، بل كان إعلانًا بأن المغرب قادر على أن يكون حاضرًا في رياضة لم تكن تُمنح الأضواء الكافية. ومثل أي بطل حقيقي، لم تتوقف إنجازاته عند حدود الوطن، بل امتدت إلى القارة الإفريقية والعالم العربي وحتى المسابقات الدولية.
• بطل إفريقيا سنة 1976، حينما حمل راية المغرب أمام أعين القارة.
• البطولة المغاربية ثلاث مرات في 1974، 1976، و1978.
• البطولة العربية في سوريا سنة 1976، حيث كان المغاربة يحتفلون باسمه.
• الصف التاسع في البطولة الدولية بموسكو سنة 1977، في زمن كانت فيه روسيا مهد الجمباز.
• الصف الحادي عشر في بطولة ريغا، الاتحاد السوفياتي آنذاك، سنة 1977.
• الصف الثاني في بطولة رومانيا سنة 1978، في قلب بلد يقدّس الجمباز كفن مقدس.
• الصف الثالث في بطولة بكين بالصين سنة 1982، حيث كانت الجدران تحمل صور الأبطال العالميين، وكان اسمه واحدًا من بينهم.
• الصف الحادي عشر في البطولة العالمية بيوغوسلافيا سنة 1979.
• الصف الثالث في البطولة العربية بالكويت.
• الصف الأول في البطولة العربية (Panarabe) بالمغرب سنة 1985.
كانت هذه الإنجازات ليست مجرد أرقام، بل كانت صرخات نصر لرجل تحدى كل شيء، شحّ الإمكانيات، ضعف البنية التحتية، ونقص الاهتمام.
البطل الذي لم يعرفه الجيل الجديد:
كم هو مؤلم أن يمضي الزمن، ويكبر الجيل الجديد دون أن يسمع عن البطل الرياضي “إدريس بلحاج”، دون أن يعرف أن بين أزقة مدينته يعيش رجل كتب اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ الجمباز المغربي. لا تُذكر بطولاته في المدارس، لا تُدرس قصته في الأكاديميات الرياضية.
ما وراء الألقاب: إنسان قبل أن يكون بطلًا
بعيدا عن الألقاب والميداليات، كان البطل الرياضي “إدريس بلحاج: رجلًا وقورا، خدوما ومعطاءً، لم يبحث يومًا ما عن الأضواء. ظل وفيًا لرياضته، متواضعًا رغم كل ما حققه، محبًا لمن حوله. لم يكن مجرد بطل رياضي، بل كان معلمًا، مؤطرًا، أبًا روحيًا لأجيال من لاعبي الجمباز الذين تتلمذوا على يديه.
وربما هنا تكمن المفارقة: رجلٌ كرّس حياته لرياضته، ومع ذلك لم يتم تكريمه بما يليق به. رجل رفع العلم المغربي في أقصى بقاع الأرض، لكن المدينة لم ترفع اسمه في ساحاتها.
وقفة إجلال لا تكفي … لكنها واجبة:
إن البطل الرياضي “إدريس بلحاج” ليس مجرد اسم في أرشيف الرياضة المغربية، بل هو أسطورة يجب أن تُحكى، أن تُروى في كتب الناشئة، أن تصبح سيرته درسًا في العزيمة. فالأبطال الحقيقيون لا يموتون، بل يعيشون في القصص التي تُروى عنهم، في الأجيال التي تستلهم منهم، في الذاكرة التي تأبى أن تنساهم.
كما قال الملاكم الأسطوري محمد علي كلاي: “المستحيل ليس حقيقة، بل هو مجرد رأي”. واليوم، نحن مدينون للبطل الرياضي “إدريس بلحاج” بأن نحول المستحيل إلى واقع، بأن نكرمه تكريما يليف بمقامه، بأن نعيد له مكانته المستحقة، ليس فقط بالكلمات، بل بالأفعال.
لذلك، هذه ليست مجرد إشادة، هذه دعوة لأن يُكرم هذا البطل كما يجب، لأن يحمل اسمه مكانه اللائق، لأن يعرف الجيل الجديد أن في بلده عاش أسطورة اسمها إدريس بلحاج.
لأن الأساطير الحقيقية لا يجب أن تُنسى.