الادريسية دركة: غياب التكريم وخلود الإبداع

الادريسية دركة: غياب التكريم وخلود الإبداع

مغربية بريس

متابعة خاصة ……قسم الأخبار

ليس من العدل أن يُطوى اسم الفنانة المسرحية الادريسية دركة في صفحات النسيان، وهي التي أفنت سنوات شبابها على خشبة المسرح، وجعلت من فنها رسالة تتجاوز حدود الأداء. إن الحياة التي عاشتها على خشبة المسرح كانت مثل تلك اللحظات التي يتحدث عنها الكاتب الفرنسي ألبير كامو في قوله: “يجب على الإنسان أن يعيش على الرغم من العبث، يجب أن يقاومه”. دركة، كما عاشت، لم تكن مجرد فنانة، بل كانت شاهدة على أن المسرح ليس مجرد خشبة وأضواء، بل هو معركة يومية بين الإنسان ووجوده، ورحلة طويلة من البحث عن الحقيقة في عالم مليء باللامبالاة. كانت، بكل بساطة، كائنًا مسرحيًا بامتياز.

ما قد يعجز البعض عن استيعابه هو أن المسرح بالنسبة لها لم يكن مجرد وسيلة للظهور، بل كان وسيلة للبقاء. “الفن هو الحقيقة التي نعيشها في لحظة، وهي الكلمة التي تخرج من القلب”. كما قال الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه. ولقد كانت الادريسية دركة حاملة لهذه الحقيقة، إذ لم تكن تقتصر على التمثيل الظاهر، بل كانت تقدم جوهرًا مفعمًا بالحياة في كل دور جسدته، حيث كانت تجسد صراعًا إنسانيًا عميقًا يتجاوز حدود خشبة المسرح إلى معاناة المجتمع نفسه.

لقد حملت معركتها معها في كل شخصية جسدتها، فالمسرح لم يكن بالنسبة لها مجرد مكان للعرض، بل كان مرآة تعكس هموم الناس، كما يقول الصحفي والإعلامي الجامايكي ماركوس غارفي: “الفن لا يواجه تحدياته إلا إذا كان هدفه أن يكون أكثر من مجرد رفاهية”. لقد عرفت تماما أن المسرح هو أداة للتغيير، وكان التزامها الفني في هذا السياق أكثر من مجرد تأدية أدوار، بل كان تمسكًا بمشروع ثقافي حقيقي. أدوارها كانت انعكاسًا للصراع بين الذات والعالم، مثلما كانت معركة الإنسان مع العبث الذي لا ينتهي.

ومع ذلك، وفي الوقت الذي تُنسى فيه هذه الفنانة العظيمة، نشعر بالألم. ألم لا يمكننا تجاهله بعد أن قدمت كل شيء لمجتمعها المحلي والوطني، فكيف يمكن أن نسمح بمثل هذا التناسي؟ أليس هذا هو العبث الذي نعيشه اليوم؟ ألا يشكل هذا نوعا من الاستهانة بمن قدمت من روحها وجهدها أكثر مما أخذت؟ “أنت لا تترك أثراً خلفك، أنت تصبح الأثر” كما قالت الكاتبة الأمريكية توني موريسون. لقد تركت الممثلة الادريسية دركة أثرا لا يُمحى في ذاكرة المسرح المغربي,

في الوقت الذي يُذكر فيه الفنانون الجدد في لحظات احتفالهم، نتساءل: كيف لنا أن نغفل عن اسم فنانة بحجم الادريسية دركة؟ كيف لنا أن نتجاهل إرثها؟ حقيقة لا يجب أن تُطوى قصتها في صفحات النسيان. بل يجب أن نكرمها اليوم، لأنها تستحق أن تُذكر في كل فرصة، لا بعد أن ينقضي كل شيء. علينا كجمهور محلي داخل مدينة القنيطرة أن نقدر عطاءها في حياتها وهي على قيد الحياة من باب تكريس ثقافة العرفان بالجميل.

هذا التكريم لا يجب أن يكون مجرد احتفال شكلي، بل تكريما لروح فنانة قدمت أكثر مما أخذت، فلتُكرَّم الممثلة الادريسية دركة تكريما يليق بمكانتها، ولتُرفع راية العرفان لمن يستحقها. فما أجمل أن نحتفي بالمبدعين وهم بيننا، بدل أن نرثيهم بكلمات متأخرة.

تعليقات (0)
أضف تعليق