الفنان التشكيلي الراحل محمد البوكيلي: إشعاع فني وثقافي لا ينسى

مغربية بريس

متابعة خاصة ……. معروف مطرب

 

في عالم الفن التشكيلي، هناك أسماء تظل خالدة، مهما مر الزمن وتغيرت الأجيال. ومن بين هذه الأسماء، يبرز الفنان التشكيلي الراحل محمد البوكيلي كأحد أبرز الأعلام الذين أضافوا إلى الساحة الفنية المغربية والعالمية إشعاعًا لا يقدر بثمن. رحل هذا الفنان عن دنيانا، لكنه ترك وراءه إرثًا ثقافيًا وفنيًا يجسد إبداعه ورؤيته الفريدة، التي جعلت منه علامة بارزة في تاريخ الفن المغربي.

إبداع فني لا يضاهى:

 

كان الفنان الراحل محمد البوكيلي يشتهر بأسلوبه الفريد الذي يمزج بين الأصالة والمعاصرة، حيث تأثرت أعماله بروح التراث المغربي العميق، كما عكست في الوقت نفسه تأثيرات المدارس الفنية الحديثة. قدم البوكيلي أعمالًا فنية تحمل في طياتها العديد من المعاني العميقة والتجارب الإنسانية التي لا تعد ولا تحصى. لوحاته لم تكن مجرد ألوان وأشكال، بل كانت تروي قصصًا، وتثير مشاعر وأحاسيس، وتنقل للمشاهد رسالة فنية تلامس القلب قبل العين.
كانت أعماله تتراوح بين الرسم والنحت، واستخدم فيها تقنيات مبتكرة، مما جعله من بين الأوائل الذين قادوا التجديد الفني في المغرب. فكان يبتكر من خلال دمج عناصر من الثقافة المغربية، سواء كانت خطوطًا هندسية مستوحاة من الفن المعماري التقليدي أو ألوانًا مستخلصة من الطبيعة المغربية الساحرة.

إشعاع ثقافي لا حدود له:

إن محمد البوكيلي لم يكن مجرد فنان تشكيلي، بل كان قامة ثقافية ساهمت في إشعاع الفن المغربي على مختلف الأصعدة. لم يكن فنه محصورًا في المعارض المحلية فحسب، بل سعى بكل جهده إلى نقل هذا الفن إلى آفاق واسعة، حيث كانت أعماله تزين المعارض والمحافل الدولية. كان لديه قناعة راسخة بأن الفن لغة عالمية تجمع بين الشعوب، وكان دائمًا حريصًا على جعل الثقافة المغربية جزءًا من الحوار الفني العالمي.

وكان محمد البوكيلي يؤمن بأهمية التعاون بين الفنانين، لذلك كان يسعى دائمًا إلى تسليط الضوء على الأعمال الفنية للفنانين الشبان وتشجيعهم على تطوير مهاراتهم. كان يشارك في تنظيم المعارض الفنية ويحث على تكريم الفنانين المبدعين من خلال هذه المناسبات التي تعد فرصة لتبادل التجارب والتعلم. قد لا يعرف الكثيرون أن الفنان التشكيلي محمد البوكيلي كان صاحب مبادرات كثيرة تهدف إلى دعم الحركة الفنية المغربية، حيث عمل على إنشاء شبكات للتواصل بين الفنانين والمبدعين عبر مختلف المناطق، مما أسهم في بروز جيل جديد من الفنانين المبدعين.

تكريمه للفن والفنانين:

من أبرز خصال الفنان التشكيلي محمد البوكيلي، تلك الروح السخية التي كان يتمتع بها تجاه زملائه الفنانين. كان دائمًا يرفع شعار “الفن للفنانين”، حيث كانت رؤيته قائمة على ضرورة الاهتمام بالفنانين ودعمهم بكل الوسائل الممكنة. فكان يسعى إلى نشر الفن المغربي المحلي وتقديمه للعالم بكل فخر، مقتنعًا بأن الفن ليس مجرد عمل فردي، بل هو مسعى جماعي يُحسن فيه الجميع من خلال دعم بعضهم البعض.

لقد كان الفنان التشكيلي محمد البوكيلي من أوائل من نادوا بأهمية تكريم الفنانين وتشجيعهم على الإبداع من خلال إقامة جوائز وتكريمات على الصعيدين الجهوي والوطني. عمل على رفع مكانة الفن التشكيلي في المغرب، وجعل من المعارض الفنية والفعاليات الثقافية منصة لعرض إبداعات الفنانين المغاربة والاحتفاء بها.

رحيل جسد وفكر لا يموت:

رحل الفنان التشكيلي محمد البوكيلي جسدًا، لكن فكره وإبداعه ما زال حيًا في كل زاوية من زوايا الفن التشكيلي المغربي. “الفنان لا يموت، بل يبقى حيًا في أعماله”، كما يقول الفنان والكاتب الأمريكي جاكسون بولوك، وهذا هو الحال مع الراحل محمد البوكيلي، الذي ستظل لوحاته تمثل نقطة تحول في تاريخ الفن المغربي. إن روحه الطاهرة ما زالت ترفرف في كل ركن من أركان المعارض التي تزين أعماله، وفي كل قلب ينبض بحب الفن والإبداع.

إن رحيله يترك فراغًا كبيرًا، ولكن إرثه الثقافي سيظل حاضرًا، حيث سيستمر الفنانون في الإلهام والتأثر بما قدمه. كما قال الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: “إن الفنان هو الذي يبني جسورًا بين الأجيال.” والفنان الراحل محمد البوكيلي، من خلال أعماله وحياته، قد بنى بالفعل جسورًا فنية وثقافية سيعبر عليها الفنانون والمبدعون القادمون، مستلهمين منه كل ما هو جميل ومبدع.

وفي الختام، نترحم على روح الفنان الراحل محمد البوكيلي، الذي ساهم بكل إخلاص وحب في إغناء الحركة الفنية والثقافية المغربية. لقد كان شخصًا استثنائيًا لا يقتصر تأثيره على أعماله الفنية فحسب، بل على الأثر الذي تركه في قلوب جميع من عرفوه وأحبوا فنه. سيظل اسمه محفورًا في الذاكرة الفنية، ويستمر إشعاعه الثقافي في إلهام الأجيال القادمة. “الفن لا يموت، بل يعيش في الخلود”، فها هو محمد البوكيلي، الفنان الذي غادرنا، لكنه سيبقى حيًا في عالمنا الفني إلى الأبد.

 

تعليقات (0)
أضف تعليق