الكاتب إدريس الصغير: قلم يتحدى الزمن ويُسائل الواقع

مغربية بريس

متابعة خاصة…..معروف مطرب 

 

في زوايا الأدب المغربي، حيث تتشابك القصص كما تتشابك الأرواح، يسطع اسم الكاتب إدريس الصغير كنجم في سماء السرد القصصي، تاركًا بصمته على صفحات الأدب العربي والدولي. فهو ليس مجرد كاتب، بل شاهد على تحولات الإنسان والمجتمع، يوثّقها بحسّ نقدي وجمالية سردية، تجعل من قصصه مرايا تعكس تعقيدات الحياة، وتكشف عن الوجه الخفي للواقع.

البدايات: حين يلتقي الشغف بالموهبة

وُلد الكاتب إدريس الصغير في مدينة القنيطرة يوم 21 مايو سنة 1948، في وقت كانت فيه البلاد تمر بتحولات اجتماعية وسياسية كبرى. منذ صغره، وجد نفسه مأخوذًا بعالم الكلمات، يستمع إلى الحكايات الشعبية، ويقرأ بنهم، حتى أصبح الأدب جزءًا لا يتجزأ من كيانه. لم يكن مجرد متلقٍّ للقصص، بل كان يسعى إلى إعادة كتابتها بطريقته الخاصة، واضعًا لمساته التي ستصبح لاحقًا بصمة مميزة في عالم السرد المغربي.

بدأ رحلته في النشر سنة 1966م، عندما كان لا يزال شابا طموحا يبحث عن مكان له في المشهد الأدبي. سريعا، غطّت قصصه معظم المنابر الأدبية في الوطن العربي، من المحيط إلى الخليج، ونُشرت أعماله في مجلات وصحف مرموقة مثل العلم، المحرر، الاتحاد الاشتراكي، المصير الديمقراطي، أنوال، الثقافة الجديدة، آفاق، الآداب، الأقلام، آفاق عربية، المعرفة، إبداع، الطليعة الأدبية، المدينة، المسيرة، الفصول الأربعة، والثقافة العربية. ولم يكن هذا الانتشار محليا فقط، بل تعدى الحدود، حيث تُرجمت العديد من قصصه إلى لغات عالمية، ما يؤكد عالميّة تجربته الأدبية.

القصة القصيرة: الفن الذي اختاره بعناية

اختار الكاتب إدريس الصغير القصة القصيرة كأداة للتعبير، لأنها فن يحتاج إلى دقة وكثافة وقدرة على إحداث تأثير عميق بأقل الكلمات. وكما قال الكاتب الروسي أنطوان تشيخوف: “الإيجاز هو شقيق الموهبة”، فقد أدرك إدريس الصغير مبكرا أن القصة القصيرة ليست مجرد حكاية مقتضبة، بل هي عالم متكامل ينبض بالحياة، ويعكس نبض المجتمع في لقطة سريعة لكنها معبّرة.

قصصه تمتاز بأسلوبها الواقعي النقدي، حيث يتناول قضايا إنسانية واجتماعية عميقة، مسلطا الضوء على الفئات المهمشة، واضعا شخصياته في مواقف تكشف عن تناقضات الحياة. إنها قصص تجعل القارئ يتوقف عندها طويلا، يتأمل أبعادها، ويدرك أن السرد ليس مجرد حكاية، بل هو أداة لفهم الذات والعالم.

من القصة إلى الرواية والمسرح:

لم يكتفِ الكاتب إدريس الصغير بالقصة القصيرة، بل طرق أبواب الرواية والمسرح، مجسدا بذلك مقولة الفيلسوف الألماني يوهان غوته: “من لا يضيف شيئا إلى الأدب، كمن لم يعش قط”. لقد أضاف إلى الأدب المغربي والعربي أعمالا خالدة، جمع فيها بين النقد الاجتماعي، والتحليل النفسي العميق، واللغة الرشيقة التي تترك أثرًا عميقا في القارئ.

تتوزع أعماله المطبوعة بين القصة القصيرة، والرواية، والمسرح، ومن أبرزها:

• “اللعنة والكلمات الزرقاء” (1976) – مجموعة قصصية.(
• “الزمن المقيت” 1983) – رواية تناولت صراعات المجتمع والهوية).
• “عن الأطفال والوطن” 1985) – مجموعة قصصية تعكس هموم الإنسان العربي).
• “وجوه مفزعة في شارع مرعب” 1985) – قصص تكشف الجانب المظلم من الواقع).
• “كونشيرتو النهر العظيم” 1990) – رواية تحاكي التغيرات الاجتماعية بأسلوب رمزي).
• “أحلام الفراشات الجميلة” 1995) – مسرحية تعكس التداخل بين الواقع والحلم).
• “ميناء الحظ الأخير” 1995) – رواية).
• “معالي الوزير” 1999) – مجموعة قصصية).
• “حوار جيلين” 2011) – مجموعة قصصية).
• “خريطة القبور” 2011) – رواية تستكشف أسرار الماضي والحاضر).
• “إشاعات في مهب الريح” 2012) – رواية نقدية للواقع الاجتماعي والسياسي).
• “ليلة العشاء الأخير” 2013) – رواية تسبر أغوار النفس البشرية).

إدريس الصغير … الأستاذ والناقد والمفكر:

إلى جانب كونه كاتبا بارعا، كان الكاتب إدريس الصغير أستاذا للتعليم الثانوي، حيث نقل شغفه بالأدب إلى الأجيال الجديدة، مؤمنا بأن التعليم هو مفتاح الوعي والتغيير. كما كان عضوا في رابطة القصة القصيرة المغربية الجديدة، وجمعية جوهرة الغرب للتنمية، وانضم إلى اتحاد كتاب المغرب سنة 1976م، مؤكدا التزامه بخدمة الأدب والثقافة المغربية.

الإرث الأدبي الذي لا يموت:

لقد ترك الكاتب إدريس الصغير أثرا لا يُمحى في الأدب المغربي، وأعماله تظل شاهدا على التزامه بقضايا الإنسان والمجتمع. وكما قال الكاتب الفرنسي ألبير كامو: “الكتابة هي الصرخة التي تخلدنا، حتى بعد رحيلنا”. ستظل قصص الكاتب إدريس الصغير تُقرأ، تُحلَّل، وتُلهم أجيالا جديدة من الكُتّاب، لأن الأدب الحقيقي لا يموت، بل يعيد خلق نفسه مع كل قارئ جديد.

ختاما … لماذا إدريس الصغير؟

لأنه كاتب لم يكن يكتب فقط، بل كان يحيا عبر كلماته، مؤمنا بأن الأدب ليس ترفا، بل مسؤولية ورسالة. لقد كان صوته صوت الذين لا صوت لهم، ورؤيته مرآة تعكس الواقع دون تزييف. وكما قال الكاتب الأمريكي ويليام فوكنر: “الكاتب الجيد لا يحتاج إلى جائزة، لأن أعظم جائزة له هي أن يظلّ يُقرأ”. هكذا سيظل الكاتب إدريس الصغير حاضرا في وجدان الأدب المغربي والعربي مدى الدهر، لأن كلماته ما زالت تنبض بالحياة.

تعليقات (0)
أضف تعليق