فيروس كورونا بين التوازنات الكونية واستراتيجيات الهيمنة العالمية

مغربية بريس .القنيطرة

بقلم: بدر إكلي
ضرب فيروس “كورونا” كوفيد 19 المستجد دول العالم بشكل عنيف ومفاجئ، جعلها عاجزة أمامه نتيجة طبيعته الوبائية الفريدة وغموض طرق انتقاله. الشيء الذي اضطر هذه الدول إلى اتخاذ تدابير مبتكرة وجديدة للسيطرة عليه بهدف الحفاظ على منظوماتها الصحية المنهارة أمام قوته الوبائية، وتمثلت هذه الإجراءات والتدابير في فرض الحجر الصحي الصارم والانغلاق الشبه التام عن العالم الخارجي، كما أنها اتخذت في بعض الأحيان تدابير متطرفة من قبيل مصادرة الشُّحن الطبية بطرق غير قانونية وقرصنتها في عرض البحر، نتيجة اليأس الذي أصابها بفعل جمود حركة التصدير العالمية لهذه المواد، وتوقف إنتاجها الصناعي، الشيء الذي يجعلنا نطرح عدة تساؤلات حول مآل أوضاع النظام العالمي في المستقبل القريب والمتوسط.
فما هي أهم التحولات التي ستمس الجوانب السياسية والاقتصادية للدول المتضررة من تفشي هذه الجائحة؟
ثم ما هي أهم انعكاسات هذه التحولات على النظام الكوني المعولم؟
لقد جعل وباء “كورونا” كوفيد 19 المستجد الدول الرأسمالية الغربية التي تتميز بمنظومة سياسية واقتصادية قوية ومتطورة ونظام صحي واجتماعي متين تقف وحيدة وعاجزة أمامه، محاولة الوصول إلى السبل الكفيلة والناجعة لمواجهته بشكل منفرد، وأمام فشلها في التصدي له برز بشكل ملحوظ أنانية هذه الأنظمة تجاه بعضها وضعف التكامل فيما بينها خلال فترة الأزمات، الشيء الذي أثار الشكوك حول تماسك هذه الأنظمة والتكتلات القائمة بينها- من قبيل الاتحاد الأوروبي- الشيء الذي عزز مواقف الدولة القومية والتيارات الداعية لها، وقد بدأت هذه البوادر في التشكل وتتضح ملامحها مع مرور الوقت حيث أن معظم الحكومات الفاعلة والقوية بدأت تتجه نحو الاعتماد على نفسها من خلال تحقيق الاكتفاء الذاتي في القطاعات الأساسية والاستراتيجية، وتقليص تدفق الرساميل والاتجاه نحو التحرر من قيود المؤسسات الدولية المانحة والشركات المتعددة الجنسيات التي كانت مصالحها تتقاطع مع الإجراءات التي اتخذتها هذه الدول لمواجهة الوباء.
هذه التحولات التي ستطرأ على النظم والتوجهات السياسية لمعظم دول وحكومات العالم سيترتب عنها تحولات عنيفة وجذرية، ستصيب توازن النظام العالمي القائم بالخلل على المدى المتوسط والبعيد، حيث ستخف تدريجيا سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها على العالم نتيجة انغلاق معظم الدول على نفسها من جهة، وتحقيقها لشبه اكتفاء ذاتي لاقتصادها وتوقفها عن استيراد منتجات القوى الرأسمالية الغربية الكبرى، ومن جهة أخرى انتقال موازين القوى العالمية نحو أقصى شرق أسيا (الصين، كوريا الجنوبية، وسنغافورة…) بسبب نجاح هذه الأنظمة في مواجهة الوباء بالاعتماد على نفسها بطرق مبهرة من خلال توظيف التكنولوجيا المتطورة ومواردها البشرية المؤهلة ومركزيتها المؤسساتية الصارمة الشيء الذي جعلها محط أنظار وحديث العالم مشكلة بذلك نموذجا سياسيا واقتصاديا يحتذى به لعالم ما بعد كورونا.
هذه التحولات ستؤدي إلى حدوث مواجهة مباشرة بين النظم الشرقية والغربية التي ستحاول الإبقاء على هيمنتها، مما سيفتح المجال أمام وقوع عدة سيناريوهات سيكون أفضلها تشكل نظام عالمي جديد مبني على تقبل الأنظمة الغربية للقوى الآسيوية الجديدة كشريك جديد، لها دور ونصيب اكبر في التحكم في النظام العالمي الجديد، وأسوأها نشوب مواجهة ملحمية بين هذه الأنظمة التي سيترتب عنها نتائج يصعب تحديد معالمها قبل نهاية هذه المواجهة.

تعليقات (0)
أضف تعليق