مغربية بريس
متابعة خاصة …….. معروف مطرب
في زمنٍ تتسارع فيه الحياة حتى تكاد تطمس معالم الفكر والأدب، وفي عصرٍ يطغى عليه الضجيج الإلكتروني العابر، برزت هبة الله مطرب كنجمة مضيئة في سماء الإبداع الأدبي، شاهدة على العصر، وناقلةً لتجارب جيلٍ بأكمله عبر كلماتها النابضة بالحياة. لم تكن مجرد تلميذةٍ تكتب، بل كانت ذاكرةً متحركة، تنسج من تفاصيل اليومي البسيط ملحمةً أدبيةً ذات طابع إنساني ووطني فريد. “ذاكرة تلميذة” لم يكن مجرد كتاب، بل وثيقة أدبية واجتماعية تسبر أغوار تجربة مدرسية، وتفتح نافذة على واقع تعليمي وإنساني أعمق مما نراه على السطح.
“ذاكرة تلميذ” … صرخةُ الأمل في وجه النسيان:
“أن تعيش، يعني أن تعاني، ولكن أن تكتب، يعني أن تحول معاناتك إلى معنى” كما قال الكاتب الفرنسي ألبير كامو. لعل هبة الله مطرب لم تكن تعلم أن فلسفة ألبير كامو ستتماهى مع تجربتها الإبداعية، لكنها، وهي تخط كلماتها، كانت تستنطق التاريخ المدرسي، تتحدى النسيان، وتوثق تلك اللحظات العابرة التي يصعب أن تجد لها موطئ قدم في الكتب الرسمية. كان “ذاكرة تلميذة” أكثر من مجرد استرجاع للذكريات، بل كان مرآةً تعكس التلميذ في رحلته نحو النضج، وصورةً صادقةً لمنظومة تربويةٍ تتداخل فيها الأحلام مع التحديات، والانتصارات مع العثرات.
حين حازت هبة الله مطرب على الجائزة الأولى خلال فعاليات الأسبوع الثقافي لموسم 2016، لم يكن ذلك مجرد تكريمٍ عابر، بل كان اعترافا رسميا بقوة قلمها، وعمق طرحها، وقدرتها على تحويل التجربة الشخصية إلى رؤيةٍ أدبيةٍ عامة يجد فيها كل قارئ جزءا من ذاته. كانت الجائزة بمثابة شهادة على أن الأدب لا يزال قادرا على أن يكون صوتا لمن لا صوت لهم، وأن التلميذ ليس مجرد متلقٍ سلبيٍّ، بل شاهدٌ وصانعٌ لقصته الخاصة.
الكتابة … قدرٌ ومسؤوليةٌ ووطنيةٌ متجذرة:
“لا أحد يستطيع أن ينكر الألم، لكن وحده الكاتب يستطيع أن يحوله إلى شيءٍ خالد.”
هذا ما فعلته هبة الله مطرب، فقد حولت الكتابة إلى فعل مقاومة، وإلى أداةٍ لتوثيق الواقع، وإعادة إنتاجه بطريقة تحفّز على التفكير والتغيير. لم يكن حضورها في رواق المعرض الجهوي للكتاب بالرباط عام 2018 حدثًا عابرا، بل كان تتويجا لمسيرة أدبية تحمل بصمة خاصة، وشهادةً على أن الكتابة الجادة لا تزال تجد طريقها نحو القلوب والعقول.
حين نالت تقديرًا خاصًا على عملها، لم يكن ذلك لأن نصوصها جميلةٌ فقط، بل لأن كلماتها تمتلك ذلك النبض الصادق القادر على اختراق العمق، وتجاوز حدود الورق، والتغلغل في الوجدان. إنها تكتب وكأنها تنقذ نفسها، وكأنها تحاول أن تبقي شعلة الإبداع متقدةً في عالم يزداد فتورا.
الاعتراف الرسمي … حين يحتفي الوطن بإبداع أبنائه:
في وطنٍ يعلي من شأن الفكر والثقافة، لم يكن غريبًا أن يحظى “ذاكرة تلميذة” باهتمام شخصياتٍ وازنةٍ في مختلف القطاعات. فقد رشحه السيد المحترم عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني، للمشاركة في رواق المعرض الدولي للكتاب في الدار البيضاء عام 2019، وهو تكريم يثبت أن الأدب الحقيقي قادر على كسب احترام الجميع، من المؤسسات الأكاديمية إلى الأجهزة الرسمية، ومن المثقفين إلى صناع القرار.
من ثانوية المسيرة الخضراء، حيث أثنى السيد الفيلالي مدير المؤسسة التعليمية على الأثر التربوي العميق لهذا العمل، إلى المستشفى الجامعي الرازي بسلا، حيث رأى البروفيسور جلال توفيق في كتاباتها تقاطعا مع قضايا الصحة النفسية، إلى الفيدرالية المغربية للوقاية من التدخين والمخدرات، التي اعتبرت كتاباتها أداةً توعويةً قوية. في كل هذه المحطات، كانت هبة الله مطرب تثبت أن الكتابة ليست مجرد كلماتٍ على الورق، بل رسالة عابرة للحدود، ونداء مستمرّ ضد النسيان والتهميش.
“التسامح زينة الفضائل” … حين يصبح الأدب أداة تغيير:
“نحن لا نكتب لنغير العالم، بل لنقول للعالم إننا موجودون.” لم تكتفِ هبة الله مطرب بتوثيق تجربتها كتلميذة، بل انتقلت إلى مستوى أعمق من الطرح، حيث تقدم في عملها الجديد “التسامح زينة الفضائل” رؤيةً تتجاوز الذكريات الشخصية، لتخوض في جوهر العلاقات الإنسانية، وصراع الإنسان مع ذاته ومع الآخرين. إنها لا تقدم مجرد سردٍ، بل تحاول إعادة ترتيب الفوضى، وفتح الجراح كي تضمدها بالكلمات.
هذا العمل لم يكن مجرد كتاب جديد يضاف إلى سجلّها الأدبي، بل هو بيانٌ ثقافي يحمل رسالة وطنية وإنسانية عميقة، تدعو إلى تقوية أواصر المحبة بين الأفراد، وترسيخ ثقافة الحوار والتسامح في مواجهة موجات التعصب والانقسام.
هبة الله مطرب … ذاكرةُ جيل، وصوتُ وطن:
“الوطن ليس الأرض فقط، بل هو كل لحظة شعرنا فيها أننا ننتمي إلى شيءٍ أكبر منا.”
ربما لم تكن هبة الله مطرب تحاول أن تكون كاتبةً بالمعنى التقليدي، وربما لم تكن تسعى إلى الأضواء، لكنها، ومن دون أن تدري، أصبحت صوتا لأجيال بأكملها، وذاكرة أدبية لوطن يؤمن بأن الفكر هو أعظم ما يمكن أن يُقدَّم هديةً للأمة.
من المدارس إلى معارض الكتب، من الفصول الدراسية إلى ساحات الثقافة، ومن الذاكرة المدرسية إلى القضايا الكبرى، تبرهن هبة الله مطرب أن الأدب ليس مجرد ترف، بل هو فعل مقاومة، مسؤولية وطنية، ورسالة حية لا تموت. كما تقول الكاتبة هبة الله مطرب: “نحن لا نكتب لكي نُكرَّم، بل نكتب لكي نبقى، ولكي لا نُنسى”.