بعد انصرام السنة الثالثة من مدة انتداب المجالس المحلية التي تم انتخابها سنة 2015،تشهد مجموعة من الجماعات المحلية رواجا تجاريا -إن صح التعبير- داخل مجالسها المنتخبة،وذلك راجع إلى أن المادة 70 من القانون التنظيمي،بنص على أنه بعد انقضاء نصف ولاية المجالس المنتخبة،يمكن تغيير رئيسها إن تقدم ثلثي الأعضاء المزاولين لمهامهم بملتمس مطالبة الرئيس بتقديم استقالته…وما بنص عليه هذه المادة يشكل تهديدا حقيقيا لمجموعة من الرؤساء المتجلي في خوف فقدان كراسي رئاستهم للجماعات،ومن يعرف مدى العلاقة الوطيدة التي تربط السياسيين بكراسي الرئاسة،سيعرف مدى حجم ا لرعب الذي يعيشه مجموعة من الرؤساء بعد انتهاء منتصف ولايتهم الرئاسية… وهذا الخوف من ضياع الكراسي الرئاسية يحول المادة 70 إلى “سوق الدرهم” يتاجر فيه المستشارين الجماعيين بأصواتهم على المناصب الرئاسية… بحيث كلما احتد الصراع حول الفوز بكرسي الرئاسة، إلا وارتفعت معه أسهم جيوب مستشاري المجالس، وعرفت انتعاشا ماليا مهما…
ووفق هذا الحراك التجاري الذي خلقته هذه المادة بالعديد من المجالس،سنقتبس أمثلة حية تعيشها بعض الجماعات،وسنبدأ بمجلس جماعة دار العسلوجي إقليم سيدي قاسم،حيث تعيش هذه الجماعة تحت حراك تجاري ساخن يتزعمه مجموعة من الأعضاء بقيادة رئيس جماعة مجاورة… محاولين سحب كرسي رئاسة الجماعة من تحت رئيسها الحالي الذي شغل مهمة رئيس لهذه الجماعة لأول مرة…وكردة فعل المعبرة عن خوف هذا الرئيس من ضياع كرسيه الرئاسي،قام بتهريب العدد الكافي من الأعضاء الذي يخول له أصواتهم استمراره لولاية كاملة،وفي المقابل،فإن عملية محاولة إكمال النصاب لتقديم ملتمس إقالته،مازالت مستمرة من الخصوم السياسيين…وهذا الأخذ والرد يعكس مدى الرواج التجاري الذي يشهده مجلس تلك الجماعة،ومدى انتعاش جيوب مستشاريها…
أما مجلس جماعة ارميلة،فساروا مستشاريه على منوال المادة 70 مبكرا،عقب اتفاقية الشراكة المتعلقة بنقل السوق الأسبوعي “اخميس ارميلة” التي أبرمت بين الجماعة المذكورة وجماعة دار الكداري،والتي أدرجت كنقطة في جدول أعمال دورة ماي 2018،حيث قلبت الطاولة على رئيس هذه الجماعة من طرف نوابه بالمجلس بمنحهم لامتيازات كالآمر بالصرف وصاحب المشروع…لرئيس الجماعة الأخرى…وكانت تلك الاتفاقية نقطة بداية لتشكيل كثلة تتمكن من احتواء نصاب تقديم ملتمس إقالة الرئيس،لكن محاولتهم أجهدت باكرا،والسبب راجع إلى غياب المنافس السياسي الذي يمتلك الكفاءة المالية،والتي كان يمتلكها الرئيس السابق الذي تم إقالته بسبب غيابه عن حضور دورات المجلس…وتتعدد مجالس الجماعات المحلية بإقليم سيدي قاسم والتي تعيش هي كذلك على شبح المادة 70…
وانتقالا إلى إقليم القنيطرة لنضرب منه مثلا ل “سوق الدرهم”،وبالضبط بجماعة بنمنصور،والتي تعتبر من الجماعات التي حطمت الرقم القياسي في تغيير رؤسائها من داخل نفس الولاية،حيث تم تغيير رئيسين،والأنباء الراهنة توحي إلا أنه قام 27 مستشارا من أصل 29 بتقديم ملتمس وفق المادة 70 لإقالة الرئيس الثالث من منصبه،وبذلك تكون الجماعة مقبلة على أن يرأسها الرئيس الرابع في نفس الولاية التي انتخب مجلسها في انتخابات 2015…ومما لا شك فيه،والتي تؤكده بعض المصادر،هو أن هذه التحولات المتكررة التي وقعت على كرسي رئاسة هذه الجماعة،ليس دافعها هو الصالح العام أو شيء من هذا القبيل،بل الدافع هو عدم خضوع الرؤساء لنزوات ورغبات مستشاري تلك الجماعة،وما تغيير رؤسائها سوى من باب البحث عن رئيس يمشي على منوال تلبية المصالح الشخصية للأعضاء…وبهذا تكون المادة 70 فتحت باب “سوق الدرهم” على مصراعيه،ليصبح مصدرا لحصاد المستشارين الجماعيين لجني ما سيتم جنيه من حنطة…