مغربية بريس
متابعة خاصة : قسم التحرير
فاس – وزارة الأوقاف تتوفر على أطر إدارية وعقول تقنية في غالبها تربعت على مناصب المسؤولية بطرق و وسائل يعرفها رجال التصوف و الصحراء، وأنا بحكم الواقع وعلاقتي الوطيدة برجالات الشأن الديني، و بالمقابل: المجلس العلمي الأعلى يتضمن رجالات علم وفكر شرعي و فلسفي متنور، ولي أصدقاء أعرفهم عن قرب بحكم علاقاتهم الوطيدة و المحترمة بالوالد الخطيب بدوره أيضا، والذي أبدى لي موقفه الصريح من هاته الخطوة الغير موفقة وكان بدوره يوَدَّ التعبير عليها بصوت مرتفع إلا أنه فضل التواصل مع بعض الشرفاء ممن لهم السلطة في اتخاذ القرار الديني بالبلاد وطالبهم بتدارك هذا الموقف غير المقبول من طرف أغلب خطباء الجمعة والذي قد تترتب عليه ردود فعل لا تخدم مصلحة أحد وهي خطوة حكيمة من رجل ظُلم بطريقة خبيثة وبشعة في وقتٍ سابق قد يأتي الوقت لأتحدث في تفاصيل تلكم المرحلة العصيبة من حياة الأسرة.
الكثير من أعضاء المجلس العلمي الأعلى لهم مواقف مشرفة عبر التاريخ من العديد من القضايا التي كانوا ولا زالوا يدافعون عليها و صارمون في عدم السماح بالمسِّ بروح الدين الذي تنبني عليه مؤسسة إمارة المؤمنين، وأخبرني أحدهم أن الملك محمد السادس حفظه الله، شخصيا لمَّا التقاه وصافحه عند انتهاء آخر درس حسني الذي ألقاه في حضرته، أوصاهُ السلطان وبلطف و أدب ألا يتردد في تقديم النصح و الإرشاد والانفتاح على الاجتهاد في كل الشؤون الدينية لما يعرفه على الرجل من قيمة علمية كبيرة يشهد بها المخالفين للدِّين قبل المتعصبين له، فالرجل التقاه عاهل البلاد كما هي عادته مع الجميع، يسأل أهناك ما يمكن أن نقضيه لسيادتكم؟ فيجيب الرجل: “دعواتكم يا مولاي لنا و خدمتكم لهاته الأمة” لم يطلب شيء قط وهاته ليست صفة العفاف و الكفاف المالي للرجل بل شخصيته و كريزمته التي تعطي لكلماته سلطة أكثر من الخطاب الدَّعوي العقيم، ولا شك لي شخصيا في صِدقية ما أخبرني به نظرا لما أعرفه عليه منذ طفولتي من علِم وغوصٍ في بحار المعرفة، وصدق وشرف وفضيلة نكاد نفتقدها في زماننا الحالي.
وخلال دورة المجلس العلمي الأعلى الأخير الذي اجتمع لأجل التمهيد الأولي ليتدارس بعض القوانين المقترحة في شؤون تتعارض مع الدين والتي أسند ملك البلاد الأمر لهم بحكم أنهم ذو الاختصاص ولا يمكن تجاوزهم في دولة إمارة المؤمنين بقوة القانون والدستور، و حسب علمي هناك مقترحات تتعارض مع النصوص التي تعتبر نصوص دينية قطعية لاسيما فيما يتعلق بالإرث والوصية والتعدد ومجموعة من المواضيع التي كانت محطَّ نقاش وجِدال بين علماء الدين أنفسهم ناهيك عن التوجه المخالف لمجموعة من الأطياف الدينية والاجتماعية و الحقوقية والسياسية.
في هاته الدورة بالذات أبدى أحدهم في الكواليس غضب مجموعة من خطباء المساجد كما أن فيديو المنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي لرجل يتكلم بحرقة و قُرحة قائلاً “سأقف رفقة السَّيد المندوب وكل من ساهم في توقيفي من أداء أمانتي أمام الله عز وجل و سآخذ حقي منه غذا يوم القيامة” كانت كلمات ثقيلة ومفزعة ومرعبة لمقترحي الفكرة أساساً، هنا يتبيَّن لنا أن سلطة الإله على القلوب هي السلطة الأولى وأكبر شيء قد يخشاه المخلوق المذلول أمام مخلوق مثله و هو يتطلع لوقوف آخر بين ملك الملوك و الواحد القهار، كما أنه تبين أن الخطبة الموحدة ليست حلاًّ وقد تكون منزلقا لخلق تيار من داخل النسق الدِّيني الذي كان ولا زال متشبت بثوابت الأمة ولا تقع الاستثناءات إلا مرات قليلة وتتعامل الدولة مع الموقف بالشكل الصحيح و السرعة المطلوبة وإن كانت أحيانا تكون ظالمة في نظري كما حصل مع الأبيض والخمليشي بفاس، لأنني أعرف الرجلان عن قرب أيضا لم تكن لهم أية خلفية تستهدف الدولة بل مواقف متباينة ووجهة نظر مختلفة من أشياء تُنظَّم خارج إطار الدولة و بالتالي كان من باب الأولى أن نعطي حرية الرأي والتعبير للإمام أيضا فموازين موضوع كما من حق المواطن والصحافي والمفكر و السياسي أن ينتقده من حقِّ الإمام أن ينتقده وهو على المنبر ما المانع ذلك.
كما أن هناك قراءات لدى الأجهزة في الموضوع والتي سيستعصي عليها تحديد الأيديولوجيات الدِّينية لبعض أفراد المجتمع في خضم الخطبة الموحدة التي لن تفرق عند العامة و الخاصة بين إمام صوفي، وإمام سلفي، وآخر وسَطي أو من هنا أو هناك، توجُّه مواطن من حيِّه للصلاة في مسجد بعيد عن حيِّه يعكس مدى تطابق الأفكار والتوجهات وبالتالي يسهل ضبط التوجهات الإيديولوجية في الأوساط الشعبية، فخطوة وزارة الأوقاف تضاعف عمل أناس شغلهم هو تحديد الفكرة التي يجتمع عليها هؤلاء أو هؤلاء، وبالتالي تراجع وزارة الأوقاف عن خطوتها وتعويض ذلك باقتراح الخطبة سيفسح المجال أيضاً لمعرفة وإحصاء خطباء الجمعة الموافقين والمعارضين، وبالتالي تكون الجهات الوصية على الشؤون الدينية حددت من هم في اللائحة الحمراء ومن هم في الخضراء و الخطبة الإقتراحية عوض الإجبارية ستترك خوف لدى الخطيب نفسه و هو يستشعر نفسه مخالف لتوجه الدولة، لكن في حقيقة الأمر ليست إلا خطبة جمعة لم تعد تؤثر على المجتمع بقدر ما يؤثر فيديو واحد لمشهد أليم أو مفرح أو طريف، لم يعد المنبر مكانا للتغيير بل محاولة لا أقل ولا أكثر.
والغريب في الأمر أن هذا الإمام و الخطيب هو أتعس مواطن مغربي من الناحية الاجتماعية، يجد نفسه يعيش تناقضات كبيرة بين واقع الأمر الذي تفرضه عليه أجرته الشهرية الهزيلة وحاجياته ومتطلباته الحياتية الضرورية وبالتالي يلجأ لنهج سُبل أخرى لكسب المال، و المجتمع لا يرحمه فيقول: هذا رجل الدين؟ وانظرو ماذا يفعل فماذا تنتظروا؟ وهنا تتكسر الفكرة الدينية و تهتز عند الجمهور ويستبيح الانسان لنفسه كل شيء لأجل القدوة غير موجودة في الإمام والخطيب، و في الحقيقة المشكل اقتصادي وأمني بالدرجة الأولى وليس ديني، هناك خطباء جمعة يصعدون المنبر وهم يتفوهون بكلام قدحي (نابي) في دواخلهم تجاه الإدارة التي أذلتهم و المجتمع الذي لا يرحمهم والوجه الديني الذي يجب أن يظهروا به و الذي يتعارض مع طبيعتهم و بالتالي يجب عليه أن يخطب في الناس على مخاطر النِّفاق ويجعل من نفسه أكبر منافقا في ذات الوقت، وهو يرى جمهوراً يسمعه وفي أغلبه منافق و محتال ومخادع لكنه يطالب الإمام والخطيب أن يكون ملكاً، الخطيب إنسان ووزارة الأوقاف ظالمة لهاته الفئة وأنا أعلم الناس بهاته الفئة لأن أبي إمام وخطيب وجدي كان ذلك، و أنا فعلت ذلك في بداياتي الأولى و تراجعت عن طريقهم وأنا مقتنع أنها لا تصلحُ لي كما أنِّي لا أصلح لها، لأسباب أعرفها عن نفسي كما يعرفها الأصدقاء المقربين القدماء منهم و الجدد.