مغربية بريس
متابعة خاصة …*فيصل مرجاني*
إنّ الإشادة بالأعمال الإرهابية والتحريض على العنف عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليست مجرد تجاوز عابر أو انحراف فردي، بل هي معضلة اجتماعية متجذرة تعكس تآكلاً خطيراً في البنية الفكرية والقيمية لبعض الفئات. ما شهدناه مؤخراً من تمجيد علني لعملية إرهابية ارتكبها شاب مغربي مقيم بالولايات المتحدة الأمريكية في تل أبيب يُمثّل استفزازاً صارخاً للأخلاق، وتحدياً مباشراً للأمن العام، وتطبيعاً مقلقاً مع خطاب الكراهية والإرهاب.
في قلب هذه المعضلة يكمن خطاب يُفرغ مفهوم “البطولة” من قيمه الإنسانية، ليحوله إلى أداة تمجيد للعنف والقتل. هذا الخطاب لا يقف عند حدود التبرير الضمني، بل يتبناه بعض الأفراد جهاراً كمنظومة فكرية وسياسية تعمل على إعادة تعريف “العدو” و”الضحية”، مستندة إلى روايات تحريضية تدفع نحو تشويه قيم التعايش والسلام التي تُشكل العمود الفقري لأي مجتمع سليم.
التطبيع مع مثل هذه الخطابات لا يعني فقط شرعنة الإرهاب، بل هو انزلاق خطير نحو استبطان العنف كوسيلة مشروعة للتعبير عن المظلومية أو تحقيق العدالة. عندما يصبح تمجيد الإرهاب ممارسة عادية، يتحول المشهد من كونه استثناءً إلى كونه قاعدة مدمّرة، تعيد تشكيل الوعي الجمعي حول ما يُعتبر مشروعاً وما يُعتبر مداناً.
هذه الظاهرة تمثل تحدياً مزدوجاً: الأول، فكري وأخلاقي، إذ تسعى إلى تدمير القيم الإنسانية الجامعة التي تُبنى عليها المجتمعات المتحضرة؛ والثاني، أمني وسياسي، حيث تسهم هذه الخطابات في زعزعة الأمن والاستقرار، ليس فقط على المستوى المحلي، بل على المستوى الإقليمي والدولي.
إنّ المغرب، الذي يُعتبر نموذجاً رائداً في مكافحة الإرهاب والتطرف، يجد نفسه أمام مشهد يشوّه سمعته الدولية كبلد معروف بتعايشه وتسامحه. الدولة المغربية، التي حظيت باعتراف دولي كبير لقدرتها على تفكيك الشبكات الإرهابية واعتماد سياسات استباقية ناجحة، مطالبة اليوم باتخاذ إجراءات صارمة ضد كل من يروج لمثل هذه الأفكار. التساهل مع هذه الخطابات يعني القبول الضمني بتهديد الأمن القومي وبنية المجتمع.
لكن المسؤولية لا تقع فقط على عاتق المؤسسات الأمنية والقضائية، بل تمتد إلى الأحزاب السياسية، النخب الفكرية، والمجتمع المدني. الأحزاب التي تلتزم الصمت أمام هذا الانزلاق تتحمل مسؤولية أخلاقية كبرى، لأنها تُفسح المجال أمام تغلغل خطاب التطرف في المجال العام. النخب الفكرية مطالبة بإنتاج خطاب بديل، قائم على العقلانية، النقد الذاتي، واحترام القيم الإنسانية الكونية. أما المجتمع المدني، فهو خط الدفاع الأخير، الذي يجب أن يواجه هذا الانحدار عبر تعزيز قيم الحوار، التعددية، واحترام الآخر.
إنّ ما يحدث اليوم ليس مجرد أزمة فكرية أو ثقافية، بل هو تهديد وجودي للنسيج الاجتماعي. الإرهاب لا يبدأ بسلاح أو تفجير، بل يبدأ بكلمة، بفكرة، بخطاب. التطبيع مع هذه الأفكار يُحوّل المجتمع إلى حاضنة للتطرف، حيث يصبح الإرهاب نتيجة حتمية لمسار بدأ بالتساهل مع الكراهية والتحريض.
لذلك، يجب أن يكون الرد على هذه الظاهرة صارماً وشاملاً. يجب ملاحقة كل من يروج لمثل هذه الأفكار قضائياً، وتطبيق القوانين بحزم ودون تهاون. لا مجال هنا للتسامح مع من يبرر الإرهاب أو يمجده.
في النهاية، المعركة ضد الإرهاب ليست فقط معركة أمنية، بل هي معركة وجودية للحفاظ على قيمنا ومبادئنا. نحن أمام اختبار حقيقي: إما أن نقف مع التعايش، التسامح، واحترام الإنسان، أو نسمح للظلامية والتطرف باختطاف مستقبلنا ومستقبل أجيالنا القادمة، لا مكان هنا للحياد. الصمت في وجه الإرهاب تواطؤ، والسكوت على خطاب الكراهية شراكة في الجريمة.